فصلٌ جديد من فصول «الجريمة اللعنة» بدأ يتكشّف، وسط تقديرات تشير إلى تورّط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، شخصياً، في قرصنة هاتف جيف بيزوس قبل أشهر من اغتيال جمال خاشقجي. الرابط بين الحادثتين، صحيفة «واشنطن بوست» التي يملكها الملياردير الأميركي، وكانت استضافت اعتباراً من عام 2017 مقالات للصحافي السعودي. الفضيحة الجديدة وصفها وزير الخارجية السعودي بـ«المنافية للعقل»، وكأن قتل شخص وتقطيع جثته في ممثلية دبلوماسية أمرٌ عادي يقبله العقل. مرّة جديدة، يراهن ابن سلمان على غطاء الرئيس الأميركي الذي يمكنه هضم أيّ جريمة طالما أن الحلف القائم على الابتزاز المُذلّ لا يزال يؤمّن مصلحة دونالد ترامب العليا: المزيد من المال. بداية عامٍ جديد تبدو أشبه بنهاية ذلك الذي قُتل فيه خاشقجي، في حين لا يزال الأمير السعودي يعيش ارتدادات الجريمة على علاقاته مع الغرب، وتأثيرها على خطته المتعثّرة لـ«النهوض» باقتصاد المملكة. لكن يبدو أن التخلُّص من جمال خاشقجي، الذي أراده سريعاً وخاطفاً، لم يكن «أذكى» فكرة خطرت في بال الأمير «الإصلاحي»؛ إذ مهّد لها، على ما يبدو، باختراق هاتف أغنى رجل في العالم، أعطى هامشاً لكاتب سعودي «منشقّ» ينتقد أميره ولا يراعي أحكام تلك الصورة التي دفع المليارات من أجل تصديرها إلى الغرب.
الكشف الجديد سوف يخلق موجات صدمة من وول ستريت وحتى وادي السيليكون

بعد مضيّ أكثر من عام على حادثة القنصلية التي أعدّ لها القضاء السعودي، أخيراً، مخرجاً يليق بمستوى فرادته، مُصدِراً أحكاماً هزيلة تراعي هزل المملكة في التعاطي مع القضية، سعياً للانعتاق من المأزق واجتياز جريمة لا تنفكّ انعكاساتها تطارد ابن سلمان، يتكشّف فصلٌ جديد من «إبداع» هذا الأخير بعد ورود معلومات للمقرّرَين الأمميَّين الخاصَّين أنييس كالامار وديفيد كاي، تفيد بأن هاتف مؤسّس شركة «أمازون» ومالك صحيفة «واشنطن بوست»، جيف بيزوس، كان ضحية رسالة عبر تطبيق «واتسآب» من حساب يعود إلى وليّ العهد. معلومات تشير إلى ضلوع الأمير في اختراق الهاتف من خلال تطبيق تجسّس إسرائيلي، استُبق بعمليات مراقبة بيزوس بهدف التأثير على، إن لم يكن وقف، تقارير الصحيفة حول المملكة. تأسيساً على تلك المعلومات، طالب المقرّران بـ«تحقيق فوري» تجريه الولايات المتحدة وغيرها من السلطات المعنية، بعدما تبين لهما أن الأدلة قوية بما يكفي لتبرير إجراء تحقيق أوسع. ولفتا في هذا السياق إلى أن أيّ تحقيق في الحادث الذي وقع في أيار/ مايو 2018 يجب أن ينظر كذلك في «الضلوع المستمر والمباشر والشخصي، على مدى سنوات عديدة، لوليّ العهد السعودي في جهود استهداف المعارضين المفترضين»، وخصوصاً أن توقيت حادث القرصنة وظروفه تتيح المجال لمزيد من التحقيقات في «المزاعم عن أن ولي العهد أمَر وحرّض، أو على أقلّ تقدير كان على علم» بجريمة اغتيال خاشقجي. سلوك الإنكار ذاته الذي اتبعته المملكة بعد مقتل مواطنها، تبنّاه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، واصفاً تلك «المزاعم» بأنها «فكرة سخيفة» و«منافية للعقل». لكنها «فكرةٌ» يُتوقع أن تؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين بيزوس والسعودية، بعدما ساءت بشكل كبير منذ حادثة القنصلية في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، فضلاً عن أنها ستتسبّب بأضرار إضافية لسمعة المملكة على الصعيد الدولي، وخصوصاً لدى المستثمرين الأجانب الذين أحجموا بالفعل عن المشاركة في اكتتاب «أرامكو». مع ذلك، لم يبدِ ابن فرحان قلقاً من أن «تضرّ مزاعم الاختراق بثقة المستثمرين» في المملكة: «نحن راضون جداً عن تدفّق الاستثمارات لدينا... إذا كانت هناك مخاوف لدى البعض، فسوف نسعى إلى معالجتها».
صحيفة «غارديان» البريطانية كانت استبقت تقرير الأمم المتحدة بنشرها، أول من أمس، تفاصيل عن ضلوع ولي العهد السعودي في الاختراق، إذ ذكرت أن الرسالة المشفّرة مِن رقم يستخدمه ابن سلمان اشتملت على ملف مؤذٍ اخترق هاتف بيزوس، بحسب التحليلات الرقمية. وجرى الاختراق بينما كان الرجلان يتبادلان «رسائل ودية» على «واتسآب» عندما تمّ إرسال الملف المؤذي، بحسب ما ذكر مصدر للصحيفة التي اعتبرت أن الكشف عن استهداف الأمير السعودي لأغنى رجل في العالم «سيخلق موجات صدمة، من وول ستريت وحتى وادي السيليكون». لهذه الغاية، عَيّن بيزوس شركة «غافن دي بيكر وشركاه» للتحقيق في كيفية وصول رسائله وصوره الحميمة إلى صحيفة «ناشونال إنكويرر» التي نشرت تقريراً عن علاقة بيزوس الغرامية بلورين سانشير، وهي مذيعة تلفزيون سابقة، ما أدى إلى طلاقه مِن زوجته. وفي آذار/ مارس من العام الماضي، ذكرت الشركة أن محققيها والعديد من الخبراء خلصوا إلى نتيجة مفادها بأن السلطات السعودية قرصنت هاتف مؤسس «أمازون» بهدف الدخول إلى بياناته الشخصية.