strong>لم تعد الدروس الخصوصية ظاهرةً مرتبطةً بالطلاب الأغنياء فحسب، بل تحولت إلى موضة لا يكاد يخلو منها أي بيت. وبغض النظر عن الغيرة التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة، فليس من المبالغة القول إنّها تحولت إلى آفة قد تقضي على إبداع الطالب
مفيد مصطفى
كثيرة هي الاعتبارات التي تدفع الأهالي لتعيين أساتذة «خصوصيين» لأولادهم. فبعد يوم شاق في الوظيفة يمتد حتى الخامسة مساءً، تبدو سلوى، وهي أمٌّ لثلاثة أولاد، منهكة، وتفضل أن تشتري قسطاً من الراحة بـ 200 دولار تعطيها للأستاذ الخاص «بدلاً من تعب القلب».
في المقابل، يحمل آخرون هاجس العلامات، «أريد من ابني أن يبقى الأول دائماً»، تصرّ ناديا التي ليس لديها ثقة على أن يحصل ابنها على مجموع العلامات نفسه «إذا ما حطيتلو إستاذ يساعدو». من جهته، يسلخ ناصر 100 دولار من مردوده الشهري الضئيل (400 دولار) كي يعطيها للمعلمة، «لأنني لم أكمل تعليمي، وأطمح لإيصال أولادي إلى أعلى الدرجات»، كما
يقول.
كذلك فإنّ عدم قدرة الأهالي على متابعة المناهج الجديدة يضطرهم إلى استقدام أستاذ خاص: «الكتب مختلفة تماماً عن زماننا، فهي تعتمد على الفهم واللغة الأجنبية القوية»، يلفت وليد، فيما يبقى العامل الأهم ضعف الطلاب بالمواد العلمية «لم أكن يوماً ذكية بالرياضيات والفيزياء فكيف أعلمهما لابني؟»، تشير منى. لكنّ الأكثر غرابةً من كل ذلك، أنّ الأستاذ بات يؤدي دور الرقيب، «وضعتُ معلماً لابني لأنني غير قادر على ضبطه، وكي أجبره على الدرس»، يؤكد
يعرب.
في المقابل، مِن الطلاب من تعوّد على الدروس الخصوصية، ولا سيما في المواد العلمية: «شرح المعلم غير كافٍ وهو لا يستطيع الوقوف عند كل نقطة»، تقول أماني وهي لا تلومه، «لأنه يجب أن يكمل برنامجه». ومنهم من يعدّ الدروس الإضافية غير مفيدة مثل نبيل الذي رسب مرتين في التاسع أساسي «البروفيه»، معترفاً بأنه لا يريد إكمال علمه.
ولما كانت الغَيرة سبباً إضافياً بديلاً من الحاجة المعرفية لإعطاء الدروس الخصوصية، باتت هذه الظاهرة تقتل الإبداع لدى التلميذ، وتجعله اتكالياً لا يقوى على مواجهة المشكلات التي تصادفه. وفي هذا الإطار، يقول المربي محمد عساف (ناظر وأستاذ منذ 27سنة): «إنّ الدروس الخصوصية تطيح المبادرة الفردية للطالب الذي لا يكلّف نفسه حتى عناء قراءة السؤال وفهمه، بل ينتظر أن يعطيه الأستاذ الجواب بسرعة، ما دام هو مرتبطاً باللعب، أما الأستاذ فيتعاطى معه على أنه زبون، وبالتالي فلا يصبر عليه كي يفكر بالسؤال لأنّه مرتبط بدوره بطلاب آخرين».
لكنّ أستاذ الرياضيات علي شقرا، الذي يعطي دروساً خصوصيةً لـ16 طالباً، يملك رؤية مختلفة للقضية، والأمر بالنسبة إليه يعود إلى شخصية الطالب، فهناك طلاب متميزون لديهم حب الإبداع، وهناك آخرون اتكاليون لا يملكون حس المسؤولية، على حد تعبير
شقرا.
وهكذا يلهث الأستاذ وراء المال، فيعطي طلابه بالدقيقة، لأنّ المادة هي هدفه الرئيسي، كما يؤكد عساف. وفيما لا ينفي شقرا أن يكون المال سبباً رئيسياً وراء إعطائه الدروس الخصوصية، إلّا أنّ التجربة عادت عليه بالنفع، إذ إنه اطلع على برامج صفوف لم يعلمها في المدرسة «اكتسبتُ مزيداً من الخبرة في التعامل مع نوعيات الطلاب، واكتشفتُ طرائق تدريس
جديدة».
وإذا كانت الاتكالية وقتل الإبداع من أبرز آثار هذه الظاهرة، فإنّ أحد أسبابها هو ضعف مستوى الأستاذ، أو قلة ضميره في إعطاء الدروس في المدرسة. وهنا يرى عساف أنّ «هناك أساتذة غير قادرين على إيصال المعلومات للطالب»، لافتاً إلى «أنّ الدورات المتعلقة بطرائق التدريس غير مجدية في أحيانٍ كثيرة لأنّها مأخوذة من بيئة لا تتلاءم مع بيئتنا».
لكنّ أستاذ العلوم علي مريدن لا يوافق عساف الرأي، إذ يوضح أنّ البيئة اللبنانية لا تعوق الدورات التدريبية الجدية والمستمرة «استخدمتُ في تدريس مادة البيولوجي طريقةً معتمدة في كاليفورنيا للصف نفسه، وحصلت على نتائج إيجابية».
وإذا كان المعلم سبباً في ازدياد الدروس الخصوصية، إلا أنه ليس السبب الوحيد، إذ تؤدي المناهج الجامدة والمملة التي ما زالت تعتمد على التلقين والحفظ دوراً هاماً في تفشي هذه الظاهرة. «الطالب يملّ من الدروس» يقول عساف، «وبطبيعة الحال فالمناهج لا تتطابق مع أسئلة الامتحانات الرسمية، ما يضطر الأستاذ للتماشي مع الأسئلة بدلاً من المنهاج».
أما الحل برأي عساف فيكون بتفعيل المدارس الرسمية، وهو أمر مرتبط بشكل أساسي بالمناهج، التي تغيرت مرة واحدة من دون تصحيح، والتي لم تختلف كثيراً عن القديمة، فهي لا تزال تفتقر إلى التفاعل بين الطالب والأستاذ من جهة، والتحليل من جهة أخرى. ويشير إلى أهمية زيادة دخل المعلم، ما يجعله يقلِّل من الدروس الخصوصية التي تكون عادةً على حساب الدروس الصفيّة. ويحمِّل عساف الأهل جزءاً كبيراً من المسؤولية، بحيث يسيطر الخمول عليهم ويُفقدهم الاهتمام بأولادهم ودروسهم، ويقول ساخراً: «فبعضهم لا يعرف أولاده بأية
صفوف».
ولأدوات التكنولوجيا والترفيه الموجودة في أيامنا مثل الكمبيوتر والفضائيات، دورٌ في إلهاء الطلاب عن دروسهم، وهنا يتذكر عساف «كيف كان الطلاب في الماضي يعملون في الأرض وفي أشغال صعبة، ما يعطيهم حافزاً على مواصلة العلم، أما اليوم فقلما نجد طالباً يعمل لمتابعة دراسته». بدوره، يعزو مريدن سبب اللجوء إلى بعض المدارس وخصوصاً الخاصة التي تُنهك الطالب بكمية كبيرة من الدروس فتصبح الحاجة إلى المساعدة اليومية ضرورية كي يتمكن من إكمال واجباته المدرسية التي تفوق طاقته وإمكاناته.
وفي موازاة دور الأستاذ الخاص، يأتي دور الجمعيات والمعاهد التي تعطي الدروس الخصوصية بشكل جماعي. ويرفض مريدن الذي يعلِّم منذ أكثر من 13 عاماً صفوف البروفيه مجاناً في أحد النوادي الاجتماعية، قبل شهر من الذهاب إلى الامتحان، مقارنة الدروس الخصوصية بما تعطيه جمعيته. ويصف مريدن هذا النوع من الدروس بالدعم للطالب، وتأتي بعد إنهائه للمنهج وتسعى إلى مراجعة معلوماته، ودعم مكامن الضعف لديه. هذه ليست النقطة الوحيدة التي تميز الدروس الخصوصية عن دورات الجمعيات، بنظر مريدن، إذ إنّ الطالب يأتي إلى الجمعية من دون ضغط أو إجبار، ما يجعله أكثر رغبة في تحصيل المعلومات.