ريتا باروتا *ماذا لو قلت لكم، أعزائي الأعزّاء، إن تحفة عملية مراقبة الانتخابات، كانت في كثير من الأحيان، شكلاً من أشكال المسرحية الكوميدية (لا الإلهية، لا سمح الله!)، حيث يختلط الحابل بالنابل، بالمصطلحات التي سها عنها النيسابوري، في ما يتعلّق بالنفاق.
اذكّركم بالنيسابوري؟
ليست لي أي علاقة شخصية به، ولا حتى سطحية. لم أقرأ عنه، ولم أسمع سوى من بعض المثقفين (لا تصدّقوا التعبير. أترحّم عليهم وعلى نفسي، يومياً!) عن أنه وضع مراتب للحب.
وعلى حد علمي، وضع هذا الأخير الكثير من المراتب، للكثير من الحالات: الجوع، على سبيل المثال.
السعار، الطوى، الضرم... ولن أكمل لأن جهاز الحاسوب الخاص بي بدأ يصدر نوعاً من أنواع الأنين الإلكتروني، اعتقاداً منه بأنني أهذي، وأثقل عليه هضم ما أكتب.
ولكنني حكماً سأذكر شيئاً ما يتعلق بالغضب: أسمعتم بالـ«البرطمة»؟
هي إحدى مراتب الغضب، لدى العزيز النيسابوري، وهي تصف تماماً ما شعرت به، يوم كان على القيمين على مراقبة الانتخابات أن يعلنوا، وبكثير من الفخر، أنهم يرفضون أن «يسمّوا الأشياء بأسمائها»، تحسّباً.
وبعدما وُعدنا جميعاً بتقرير نهائي يصدر في تموز 2009، عن سير العملية الانتخابية ويوم الاقتراع، ها نحن نهلّل لآب، وعيد السيّدة (حبّذا لو تكثر الهريسة في ضيعنا، هذه السنة، رغم شكي المطلق: لقد قيل لي إن العربان لا يحبونها. ولأن جبالنا تغص بهم، فستُلغى العادة، لتصبح سريّة!)، ولا من سائل، ولا من مجيب.
وقد علمت أذني اليسرى (اليمنى بريئة من دماء أختها الصدّيقة!) بأن أموالاً طائلة تفوق تلك التي دفعت (ما بعرف لمين) من (ما بعرف مين) لينتخب (ما بعرف مين)، استُخدمت من أجل «انتخابات نزيهة وشفافة».
صدر عن الاتحاد الأوروبي تقرير عن الانتخابات. وإذا فهم أحد منكم، أيّ كلمة فيه، فأرجو منه أن يعلم القرّاء الأغبياء كشخصي، بما أتى به هذا التقرير.
ومن ثم، وعليه، وريثما يبدأ التساؤل، أذكّر بالوقائع الآتية، للتاريخ، وللرد على «برطمة» النيسابوري التي صعقت وأصبت بها:
- اتهم كل من عمل في مراقبة الانتخابات بأنه ينتمي إلى جهة سياسية واحدة. وهذا من أفظع الاتهامات، للقليلين الذين لا يزالون يفتخرون بحيادهم.
- جرت داخل القاعات المغلقة، الكثير من المعارك الضارية، ما بين «مسؤول مستجد» (أي أُتي به لغايات انتخابية) و«مسؤولة قديمة» (من الأعمدة!)، وذلك بشأن «المسؤولية». من سيأخذ القارب إلى شاطئ الأمان؟ أهو الذي عمره في «السوق» أعواماً طوالاً، يعمل بجهد للإصلاح الانتخابي؟ أم «فلعوص صغير» يعرف من التكنولوجيا ما يجعل شعيرات رؤوسكم تقف وتصفّق؟ بكلمات أخرى: خلقت المعسكرات، وكلما كنا نقترب إلى يوم الاقتراع، كانت وتيرة الحقد تتصارع، حتى استقال البعض من مناصبهم.
- علمت أذني أيضاً أن تقريراً من التقارير التي صدرت، عُدّل في اللحظات الأخيرة قبل المؤتمر الصحفي. ليذهل البعض، ويختفي، لأيام، بعض القيمين، آخذين بذلك «موقفاً» ممّا يجري.
والآن أسأل:
ماذا حل بكل تلك المخالفات التي رُصدت؟ من يلاحق اليوم كل ما أتت على ذكره تقارير كان القيمون عليها يسرقون ساعة النوم سرقة، لينجزوها؟
هل اكتفت وسائل الإعلام من المحاكمة فالحكم؟
أذكر أنه قيل لي يوماً إن إحدى الصديقات (رضي الله عن هبل قلبها الطيب) زارت أحد رؤساء تحرير صحيفة لبنانية مرموقة (هذه التي بين أيديكم ليست مستثناة!) لتسأله: «ليش فاتح علينا الحرب؟» وتحاول أن تقنعه بأن الذين يعملون في مراقبة الانتخابات ليسوا جميعاً منتصف ـــــ ناقص اثنين ـــــ آذاريين (منيح الاسم؟!). فعاد ليذكّرها بماض أصم، عاشته تلك «الجمعية» (كم طال هذا المقال دون ذكر الجهة المعنية! مقصودة، وحياة الله!)، وبأن كل هيئتها الإدارية تنتمي إلى جهة معينة، تموّلها وتسهر على نموها الاقتصادي فالعقائدي.
ورحلت تلك التعيسة و«الدمعة بعينها» لأن الحقيقة، حقيقة، كيفما حاولنا أن نلتفّ عليها.
لمَ أنشر كل هذا اليوم، وبكل هذا الغموض، رغماً عن أنوف كل الذين يرون أن لا سقف لحرية التعبير؟
هكذا، لأنه «طلع على بالي» أن أنتهي من «البرطمة»، وأن يحل السلام في داخلي، علني أجد بعضاً من معنى، في انتخابات البلدية القادمة.
كذلك أرجو من السادة القيّمين على وضع الدساتير اللبنانية والملحقات بالقوانين، وأيضاً على وزراء الداخلية (لمَ «الجمع» هنا؟!) أن يُفهِمونا جيداً ماذا يعني مصطلح «مراقبة». ومَن المخوّل أن يراقب؟ ولمَ زارنا كل من زارنا ليراقبنا ونحن نضع في الصناديق مغلّفات يلوّنها شعار «الاتحاد الأوروبي»؟
وكم هو تحديداً المبلغ الذي صرف من أجل مراقبة كهذه؟ ولماذا صُرف؟
ولأنني لن أجد من مجيب، سأجيب أنا على نفسي النفيسة، رضي الله عن غضبها هذا، لأقول:
هيهات يا أم الزلف! وهيهات على الشفافية! وهيهات على صحافة تلاحق حين لا يجب، وتضع في القفص بعض الأبرياء، لتفلتهم حين تجري الإدانة.
* إعلاميّة لبنانيّة