يقدّم لبنان جهداً في إطار علاج مرض التصلّب اللويحي، وقد صُنّف مركز الأبحاث حول هذا المرض، الذي افتُتح في بيروت بين المراكز الأهم في العالم. منذ عام 2007 أجرى المركز ستّ عمليات، وقد استُعملت زراعة الخلايا الجذعية في تجربة علاجية للمرض، وأظهرت نتائج إيجابية جداً تُرجمت في وقف تطوّر المرض، وتقدّم الحالات


خضر سلامة
افتُتح أخيراً في مبنى مركز الأطباء في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، مركز أبحاث مرض التصلب اللويحي المتعدد، في خطوة مهمة ومميزة في المشرق العربي، وفي لبنان بالذات، المشارك الفعّال في العمل العالمي المشترك لدراسة هذا المرض. يحلو لبعض المختصين تشبيه مرض التصلب اللويحي المتعدد بوباء ينتشر في عدد من الدول، بسبب نسبة الإصابات العالية فيها، وقد اعترف الباحثون في مؤتمر الكلية الأميركية للأطباء بعجزهم عن تشخيص سبب الإصابة المباشر به.
مدير المركز اللبناني الدكتور باسم يموت يعرّف مرض الـ Multiple sclerose المعروف اختصاراً بالـ M.S فيقول: «مرض التصلّب اللويحي المتعدد هو عبارة عن مرض مناعي يُحدث اختلالاً في جهاز المناعة، فيتحوّل إلى مهاجمة مادّة المايلن الدهنية المغلّفة للأعصاب في الدماغ والنخاع الشوكي»، ويلفت يموت إلى أن «عوارض المرض تبدأ بهجمات دورية، غير مستمرة، تُترجم بإصابات في مكان ما من الجهاز، كفقدان حسي مؤقت في الأطراف، أو خلل في حاسة النظر وغيرها، تستمر هذه العوارض أياماً أو أسابيع، وتتحسّن وحدها مع احتمال ترك أثر على المدى البعيد». توقيت هذه الهجمات حسب يموت، يختلف من حالة إلى أخرى، فقد تكون مرة كل سنتين، أو مرتين في السنة، مع احتمال هجمات نادرة في حالات معينة قد تكون كثيفة في توقيتها، أو بعيدة.
أما عن احتمالات آثار المرض المستدامة، فيجيب يموت قائلاً: «مع مرور الزمن وإهمال المرض، تترك الهجمات آثاراً هي عبارة عن تراكمات. وبعد 12 إلى عشرين سنة من الإصابة، قد تتطوّر إلى اعتلال في العين أو القدم»، المرض يتركّز عموماً في عمر الشباب، ويصيب الإناث أكثر من الذكور بنسبة الثلثين، حسب ما جاء في الدراسات العالمية.
أسباب المرض لا تزال مجهولة «75 في المئة من الحالات مردّها إلى بيئة المريض التي لا يعرف العلم إلى الآن تفاصيلها وتعريفها، و25 في المئة قد تكون جينية، كما في حالات التوائم، التي أظهرت أن إصابة أحدهما بالمرض ينتج منها إمكان إصابة التوأم الآخر به بنسبة تراوح بين 10 و25 في المئة، فيما يُحصر خطر الانتقال الوراثي للمرض بنسبة لا تتعدى حدود الـ 5 في المئة، وهي نسبة قابلة للتطوّر عند تزاوج عنصرين مريضين لتصل إلى 10 أو 20 في المئة»، ويشير يموت هنا إلى أن الملاحظ في طبيعة المرض، ارتباطه بالمسافة عن خط الاستواء، فبينما يظهر بنسبة عالية في بلاد بعيدة شمالاً كاسكندينافيا وشمال أميركا، تنخفض نسبته في بلاد الاستواء، أما في لبنان، المصنف ضمن البلاد المعتدلة، فنسبة الإصابة تراوح بين 25 و40 في كل مئة ألف.
في ظل هذه الأرقام، يؤدّي لبنان دوراً مهماً ومتفوقاً في مجال أبحاث مرض التصلب اللويحي المتعدد، إذ إن المركز الذي افتُتح فيه يعدّ من أهم خمسة مراكز طبية عالمية مشاركة في الجهد الدولي المنكبّ على البحث العلمي للـ M.S.
ومن التجارب الريادية للمركز تلك التي قادها يموت بالتعاون مع الدكتور علي بازرباشي وفريقه عام 2007، وجرى حينها تنفيذ أول عملية استعملت زراعة الخلايا الجذعية في تجربة علاجية للمرض، على أمل تحولها إلى خلايا عصبية تأخذ مكان الخلايا التالفة بهدف ترميم الجهاز العصبي، «التجربة أُجريت إلى اليوم على ستة أشخاص مصابين بمرض التصلب اللويحي، وأظهرت نتائج إيجابية جداً تُرجمت في وقف تطور المرض وتقدّم الحالات» كما يؤكّد يموت.
إضافةً إلى تقنية الخلايا الجذعية، يتحدث يموت عن حبوب دواء هي الأولى من نوعها في إطار مكافحة المرض، الذي كان الطب لا يملك أمامه إلا أدوية الحقن، هذا الدواء الذي بدأت التجارب عليه عام 2004 ظهرت نتائجه الإيجابية مطلع هذا العام، وقدّمت دراسة وافية عنه أخيراً في مؤتمر الأمراض العصبية بـ «سياتل» في الولايات المتحدة.
أما عن مركز الأبحاث الجديد «فهو مركز يهدف إلى إجراء الدراسات والتجارب العلاجية، كل الأدوية الحديثة والتقنيات موجودة، وموفّرة مجاناً للمرضى، وهو جزء من عمل عالمي متقن ومتضامن متصل يهدف إلى الكشف عن الأسباب الغامضة والعلاج التام المجهول إلى اليوم».
ماذا عن واقع لبنان الرسمي في هذه التجارب؟ «وزارة الصحة تؤدّي دوراً مهماً في لبنان، ولا سيما في عهد الدكتور محمد خليفة، إذ إنها تغطّي الكلفة الكاملة للدواء المعتمد اليوم، بينما تصل كلفة العلاج نفسه في دول مجاورة كمصر إلى حدود الألف دولار، هذا الدور مهم جداً، ولا سيما في ظل العجز الاقتصادي الحالي» يقول الدكتور باسم يموت، المتخصص والمتحمس في حديثه العلمي، الذي يختم معلّقاً على مقارنة الطب والسياسة: «تزاوجهما مرعب»، مع أمل دائم بتقدم القطاع الطبي المستمر عالمياً، ومحلياً أيضاً.