إيلي نجمالكتاب : «الأخلاقيّات في الطبّ، مدخل إلى مقاربة فلسفيّة» (دار نوفل ـــ 2008)
المؤلِّف: الدكتور روجيه الجاويش
يعالج المؤلِّف في هذا الكتاب مسائل تقنيات الحياة كالقتل الرحيم، وزرع الأعضاء، والطفل الأنبوب، والاستنساخ، والتلاعب بالعناصر الجينيّة.
يساعد هذا الكتاب على التفكير العميق في قضية الاستنساخ، ويُذكّر المؤلِّف بالقرار الذي اتّخذه الرئيس الأميركيّ عام 1997 والقاضي بوقف الاستنساخ البشريّ، بعد الإعلان عن نجاح استنساخ النعجة دوللي، وبتعديل البرلمان الفرنسيّ عام 2004 القانون المتعلّق باستنساخ الجنين البشريّ. فماذا عن الاستنساخ؟ وهل يقوى على موت الأفراد، أم يبقى الموت ويستمرّ قدَر كلّ حيّ؟ وهل يبقى التناسل من طريق الجنس ويستمرّ قدَر الأفراد الذين ينتمون إلى الأنواع والأجناس الحيّة التي تتناسل جنسيًّا، ومن ضمنها النوع الإنسانيّ؟
يبدو أنّ جوهر الحياة هو التوالد، والتوالد يتمّ من طريق التناسل الجنسيّ بالنسبة إلى الأفراد الذين ينتمون إلى الأنواع والأجناس الحيّة التي تتناسل جنسيًّا، أو من طريق التناسخ اللاجنسيّ بالنسبة إلى القليل منها التي لا ينقسم أفرادها إلى ذكور وإناث. ففي هذا التناسل، ينبغي أن يكون ثمّة كائنان اثنان، أي ذكر وأنثى، لإنجاب كائن ثالث، فيما يقتضي، في التناسخ اللاجنسيّ، وجود كائن واحد لإنجاب كائن آخر يكون على شاكلته. فالإنجاب يختلف عن وظائف البدن عند الذين يتناسلون جنسيًّا، حيث إنّ الكائن الفرد لم يكن أو لم يعد يملك وحده إمكان الإنجاب، كما هي الحال في التناسخ اللاجنسيّ، بل يعوزه كائن آخر يشاركه نعمة استيلاد الحياة.
وعليه، فإنّ موت الأفراد وتناسلهم، على نحوٍ جنسيّ أو تناسخهم على نحوٍ لاجنسيّ، يغلّبان الأنواع والأجناس الحيّة على هؤلاء الأفراد الذين يكوّنون بالضبط هذه الأجناس وتلك الأنواع. وبالتالي، فإنّ موت الأفراد وتناسلهم أو تناسخهم، على ما يبدو، وراء بقاء الأنواع والأجناس الحيّة واستمرارها.
النوع والجنس يقضيان بالموت على أفرادهما الذين باتوا عاجزين عن التناسل أو التناسخ، فيما يستبدلان بمواليد جدد قادرين بعد حين على التناسل أو التناسخ. لكن يبدو أنّ التناسل من طريق الجنس يحمي الأنواع والأجناس أكثر ممّا يحميها التناسخ اللاجنسيّ. وهنا بيت القصيد. وليس صدفةً أن تحمل مفردة الجنس، في لساني العربيّ، المعنيَين: معنى الفعل الذي يحصل بوساطته التوالد، ومعنى مجموعة الأفراد الذين يتوالدون ويكوّنون بالضبط الأنواع الحيّة التي تكوّن بدورها الجنس الواحد. فبالجنس يبقى الجنس ويستمرّ ويتطوّر.
ينتج من كلّ ذلك أنّ الموت والتناسل الجنسيّ ليسا وراء بقاء الأنواع والأجناس الحيّة واستمرارها وحسب، بل هما وراء تطوّرها. ذلك لأنّه في التناسل الجنسيّ، يكون الوليد الجديد «جديداً» وأكثر قدرةً على التفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه، وبالتالي على البقاء والاستمرار والتطوّر، من الذكر والأنثى اللذين أعطياه الحياة، من جهة، ومن الوليد الجديد الذي جاء نسخةً عن الكائن الذي أعطاه الحياة، من جهة أخرى. فإذا كانت الكائنات قد آثرت التناسل من طريق الجنس على الاستنساخ اللاجنسيّ، فهل يحقّ للإنسان أن يعود فيستنسخها، ويقضي بذلك على الموت والجنس؟ ذلك لأنّ القضاء على الموت والجنس باستنساخ الأفراد الذين يتناسلون جنسيًّا يعني القضاء على الأنواع والأجناس الحيّة التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد. والقضاء على موت الفرد وتوالده من طريق التناسل الجنسيّ يعني القضاء على النوع الذي ينتمي إليه هذا الفرد، وبالتالي على الجنس الذي يندرج ضمنه هذا النوع. وإذا كان الاستنساخ التناسليّ أمراً ينبغي تحريمه، يبقى الاستنساخ العلاجيّ الذي قد ينجح الطبّ بوساطته في إرجاء الموت، موت الأفراد، من دون أن يتمكّن من القضاء عليه.