محمد مصطفى علوشبينما يسود الشارع اللبناني الجمود السياسي في انتظار التطورات الإقليمية، برزت توترات سياسية في مناطق عدة اتخذت طابع الانشقاقات الحزبية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحوّل إلى سجال حزبي داخلي وأحياناً إلى عراك على وقع الاتهامات المتبادلة بالعمالة والخيانة.
وآخر جهة سياسية تتعرض لهذه المشكلات «جبهة العمل الإسلامي» التي شهدت الأسبوع الماضي حركة انشقاقية مؤلفة من 160 عضواً ـ حسب ما صرح الناطق باسم المنشقين ـ فشكّلت «هيئة الطوارئ في جبهة العمل الإسلامي»، وتطوّر الأمر إلى تشكيل عصابات مهمتها السطو والاعتداء على الآخرين.
وحاولت «طوارئ جبهة العمل»، يوم السبت الماضي، السيطرة على مركز طبي، في محلة مُحرّم، تابع لحركة التوحيد الإسلامي ـ مجلس القيادة التي يترأسها الشيخ هاشم منقارة، مدعيةً في بيانها أن مسؤول منطقة محرم أعلن انضمام كل عناصره إلى «الطوارئ»، فيما وضعت حركة التوحيد الأمر في خانة محاولة سرقة، نافيةً أي توجه انشقاقي جديد في الحركة.
ويرى رئيس جبهة العمل الإسلامي، فتحي يكن، أن ما يحصل سببه الاختراق الذي حققته الجبهة في أكثر من منطقة حتى أصبحت عائقاً في وجه مخالفيها الذين يريدون استدراجها إلى سلوكيات لا تنسجم مع أهدافها، قائلاً «إننا استطعنا حشد زهاء 12000 شخص آخر في عكار».
ويؤكد يكن أن الأمر أكبر من مجرد خروج تنظيمي، «فما يحدث ليس سوى سيناريو قديم جديد حيث يريد أسياد هؤلاء هزّ مدينة طرابلس بسبب موقعها ودورها الريادي وما تشكله من عرين لآل السنّة في لبنان». ويضيف يكن أنّ هذه المشاكل تتكرّر بين قوى المعارضة، متمثلاً بـ«المرابطون» والتيار الوطني الحرّ، لافتاً إلى أنه جرى أخيراً بالقرب من هيئة العمل تشكيل هيئات وهمية وإطلاق أسماء عليها مثل «هيئة طوارئ» أو «حركة تصحيحية لإيهام الرأي العام بأن هناك انشقاقات داخل قوى المعارضة». ويؤكد يكن أنه لا يعرف أحداً من المنشقين، «ولم يتصل بي أحد منهم، ولو كان حقاً من ضمنهم 60 مسؤولاً كما ادّعوا، فهذا يعني أننا كجبهة نملك 16000 عنصر في طرابلس وحدها، وهذا واضح البطلان».
ورغم أن يكن متفائل بانتخاب رئيس للجمهورية قريباً، «لأن العرب أدركوا أخيراً أن انفجار الوضع في لبنان سيتعدى لبنان إلى الأردن والسعودية والكويت واليمن وغيرها»، يؤكد أن الولايات المتحدة تريد سحب البساط من تحت المبادرة العربية لتفجير الوضع، واضعاً ما يحصل مع الجبهة في هذه الخانة، ليكمل وصفه للحالة: «هناك حرب أعصاب تمارس ضد الجبهة لزعزعتها، لكن أفعال هؤلاء جاءت سلباً عليهم». وبحسب يكن، أصبحت الجبهة أكثر تضامناً، «وكما هو معلوم فهي ليست حزباً واحداً، بل مجموعة أحزاب، فإذا انسحب طرف منها فهذا شأنه»، مشدداً على أنه حتى اللحظة لم يسجل أي انسحاب منها.
ويلفت يكن إلى أنّ مسؤولي الجبهة لا يزالون يجتمعون، معلّقاً: «أنا أؤكد لك أنه حتى لو انفرط عقد الجبهة، فإن الأحزاب التي تشكلت منها لن تتحول إلى أصحاب لأميركا وإسرائيل»، فهذا هو خط الجبهة وثوابتها، «وهي واضحة المعالم ولا لبس فيها».
ومن الخانة السياسية الإسلامية نفسها، يؤكد المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الشمال، عزام الأيوبي، نجاح الجبهة في جذب عناصر جديدة إلى صفوفها، غير مستبعد حصول انشقاقات داخلها لأن «هذه العناصر لم تؤطر بشكل واضح».
ويرى الأيوبي أنّ «طرابلس مدينة ملتزمة، وفيها ثقل إسلامي متنوع بين عدة تيارات وحركات عديدة، ولا وجود لحساسيات بين هذه الأحزاب والتيارات الإسلامية»، مشيراً إلى أنّ ما يحكى عن احتكاكات بين إسلاميين «يعود إلى التجاذب السياسي القائم بين الأكثرية والمعارضة التي يميل إليها هذا التيار الإسلامي أو ذاك».
وعمّا إذا كانت الجماعة تتخوّف من اتّساع الصدع بين الإسلاميين في المدينة، يؤكد الأيوبي أنّ «المسلمين في طرابلس يواجهون هواجس خاصة»، ويتمنى أن يكون انتخاب مُفتٍ جديد لطرابلس قد شكّل عاملاً إيجابياً لتوحيد الإسلاميين، «ولا سيما أنه يحاول أن يبعد الجو الإسلامي فيها عن التجاذبات السياسية».