محمد مصطفى علوشيكاد يتفق جميع المراقبين للحركات الإسلامية في لبنان على أن «جبهة العمل الإسلامي» هي تكتّل جبهوي يتكوّن من حركات وجمعيات تجمعها مصالح وقناعات مشتركة، وأنها لم ترقَ بعد إلى مستوى الحزب المؤطّر بإيديولوجيات واضحة، وبالتالي فإن الانسحاب منها او الانشقاق عنها أمر طبيعي، لأنها تمر كغيرها من التيارات بمراحل نشوء صغيرة.
أمّا قادتها، فيرون أن لا انشقاق داخلها، ولكن حالات ادّعاء بالانتماء إلى الجبهة ثم انسحاب. ويسّمي فتحي يكن هؤلاء «السنّيين الجدد»، ويتهمهم بـ«تضليل الناس» «والتشفّي من كل من يرونه عدواً لهم لمجرد أنه ليس معهم». ويقول أحد القادة إن ما تطبّل به أطراف في الموالاة عن انشقاق، يهدف إلى كسر شوكة الجبهة التي بدأت تتمدد داخل الطائفة السنّية في جميع المناطق، مكوّنة حالة رفض وممانعة أمام تيارات غير عروبية ولا تنسجم مع تطلّعات الطائفة.
ويرى المسؤول المذكور أن الاستهداف ليس وليد الساعة، ولكنّه بدأ مع مطلع نشوء الجبهة منذ أكثر من سنة. ومن أراد المراجعة، فليعد إلى سلسلة مقالات نشرت في جريدة «المستقبل» قبل أكثر من عام ضد «يكن» يعاد نشرها في عام 2008، مع تغيير في العنوان وبعض العبارات. وحين وجدوا أن طريقة التشهير بالداعية يكن لم تفلح ولم تحدّ من توسّع جبهته، طوّروا أساليبهم فاستحدثوا ما يسمى هيئات طوارئ».
رغم أن المراقبين يجمعون على أن المنشقين في الحالات الثلاث كانوا محسوبين على رئيس «حركة التوحيد الإسلامي ـ مجلس القيادة» الشيخ هاشم منقارة، فإنهم يختلفون على ما إذا كان المستهدف الحقيقي هو فتحي يكن لما يمثّل من معارضة لنفوذ «المستقبل» داخل الطائفة، أو هاشم منقارة المتهم بأنه المورّد الأساسي داخل الجبهة للعناصر التي تتدرب على السلاح تحت اسم «سرايا المقاومة».
مصدر مستقل رفض الإفصاح عن اسمه، رأى أن المتضرر الأكبر مما يحصل هو يكن تحديداً، وأن الأذى الذي لحق به تأتّى من أخطاء متكررة ارتكبها حليفه هاشم منقارة الذي لم يعتد العمل التنظيمي.
ويرى أن خطأ منقارة يكمن في التسرّع، فهو لم يقم بعملية تأهيل جيدة لعناصره لتكون على اقتناع بما يحمل من أفكار وقناعات، الأمر الذي ظهر في انسحابها حين وجدت فرصاً أفضل لها خارج حركته.
ينفي «أبو الحسن»، عضو مجلس قيادة حركة التوحيد التي يرأسها منقارة، أي انشقاق أصلاً داخل الحركة. فالمنشقّون من أمثال خضر عوادي وسيف الدين الحسامي كانوا جزءاً من الجو العام الذي كان ينفتح على منقارة. وبحسب «أبو الحسن»، فإن المستهدف، إلى جانب يكن، هو منقارة نفسه. فـ«التركيز هو عليه وعلى ما يملك من قدرة استقطاب سريع لقطاعات واسعة من الشباب، وتكوين حالات جماهيرية واسعة لا تلبث أن تتمدد وتنتشر داخل المجتمع الطرابلسي. يريدونه خارج الذاكرة الشعبية في طرابلس عبر تشويه نضالاته بأسلوب يثير الغريزة الطائفية والعصبية السنّية، حين يصفونه بالعمالة لسوريا وإيران، وأنا أتساءل: هل يعقل أن يكون عميلاً من بقي في السجون السورية 15 عاماً؟ أهكذا يكافئون نضالاته؟».
وفي معرض ردّه على ما يتهم المنشقّون به الجبهة، وجماعة منقارة تحديداً، من إثارة القلاقل في طرابلس والتحريض عليها وتدريب شباب على السلاح للقتال الداخلي، يقول «أبو الحسن»: «لا يخفى أن المعارضة نفذت خلال العام الماضي خطة شملت الإضرابات، ونحن جزء من المعارضة. وكان من حقنا أن نمارس كل الأساليب الديموقراطية المشروعة في العمل السياسي، من تنفيذ الإضراب والدعوة إليه ما دام ضمن القانون».
وإذا كان منقارة، وفي تصريح سابق له عن تسلّح «التوحيد»، يؤكد أن الحركة هي «ضمن مشروع المقاومة» الذي يمتد إلى بيت المقدس، وبالتالي نرى «أن حقنا في مقاومة العدو مشروع، وكلَّ ما يوصلنا إلى هذا الحق مشروع، وكلَّ من يقف أمام هذا الحق هو في صف أعداء الأمة»، فإن «أبو الحسن» يرفض أن تكون هناك عمليات تسلّح لإثارة الفتنة، ويرى فيها «فبركة، الهدف منها إيهام الرأي العام بأن «التوحيد» حركة ميليشياوية في لبنان». مشيراً بأصابع الاتهام إلى بعض الأجهزة الأمنية.
يتابع «أبو الحسن»: «يقولون: ما دخل إسرائيل في طرابلس حتى تستعدوا للمواجهة؟ نقول لهم: إسرائيل قصفت العبدة ومناطق عديدة في الشمال في حرب تموز، ونحن على يقين أنها ستكرر الفعل عينه في أي حرب ستشنّها على لبنان».
وإذ لا ينفي قيام الجبهة بتدريب عناصر لها في البقاع ضمن إطار المقاومة، إلاّ أنه ينفي أن يكون للحرس الثوري الإيراني أي علاقة بذلك. ويرى اتهام الحرس بتدريبهم تلفيقاً، لأن «الحرس الثوري ترك لبنان منذ اتفاق الطائف». أما بالنسبة إلى حزب الله، فيؤكد أن التنسيق معه على أعلى مستوى، ولكن خارج إطار التلقّي والتبعية.