انطوان سعد
فيما لا تزال الأوساط السياسية تنتظر جواب فريق الأكثرية على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، يؤكد مصدر بارز في فريق الرابع عشر من آذار أن هذا الجواب سيكون إيجابياً، لكن مع إلقاء الضوء على الجوانب الغامضة من المبادرة. وقد تلقّى هذا المصدر اتصالاً هاتفياً من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة نقل فيه الأخير موقفاً إيجابياً عن رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري الذي سوف يعمل على ترجمة هذه الأجواء الإيجابية في البيان المتوقع صدوره عن اجتماع قيادة فريق الرابع عشر من آذار. لذلك يرى أن «انطلاق المبادرة مرجّح أمّا أمر نجاحها فلا يزال غير معروف حتى الساعة».
وبحسب المصدر المشار إليه، سيزور الرئيس بري بكركي بعد ذلك وسيتشاور مع البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في مسألة المواصفات التي يضعها للرئيس العتيد للجمهورية. ومن المتوقع أن يتمنّى رئيس المجلس على البطريرك أن يعمل على تضييق نطاق المواصفات بحيث يقل عدد المرشحين الذين تنطبق عليهم حتى يسهل حصر الانتخابات بين مجموعة محدودة العدد. بعد زيارة بكركي، سيعود الرئيس بري إلى المجلس النيابي حيث «سيقيم» ويجري المشاورات إلى أن يتمكن من التوصل إلى اتفاق على اسم واحد. حيئنذ، سيدعو إلى رفع اعتصام المعارضين من ساحة رياض الصلح، وإلى أن يبادر الوزراء المستقيلون إلى تصريف الأعمال في وزاراتهم، لكن من غير العودة إلى طاولة مجلس الوزراء.
بناءً على ما تقدّم، يرى هذا المصدر أن لا شيء يمنع تحقّق التوافق على مرشح وفاقي قبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري، موعد الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب. وقد يصار يومها إلى انتخابه وخصوصاً أن مختلف الفرقاء مقتنعون بأن البديل عن عملية الانتخاب الطبيعية التي لطالما قاربت الإجماع في معظم الاستحقاقات الرئاسية منذ الاستقلال، هو سيناريوهات كارثية لن تقود البلد إلّا إلى الخراب ولا مصلحة لأحد بها. فلا المسيحيون في الأكثرية راغبون في تسليم السلطة التنفيذية إلى حكومة الرئيس السنيورة التي لهم مآخذ كبيرة عليها لجهة عدم تمتعها بصحة التمثيل في مواجهة حكومة يجري الحديث على أنها ستُسند إلى شخصية مسيحية، ولا السنة راغبون في الدخول في مثل هذه التجربة التي لا أفق لها سوى استدراج نموذج الصدام المذهبي إلى لبنان. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى القيادات السياسية الشيعية.
كما يرى المصدر البارز في قيادة فريق الرابع عشر من آذار أن طرح انتخاب رئيس الجمهورية بغير نصاب الثلثين ليس وارداً على الإطلاق لأنه بكل بساطة لم يعد حتى متوافراً. فقد أوضحت جهات كثيرة ضمن فريق الأكثرية، سراً أو علناً، أنها غير مستعدة للسير في هذا الاتجاه، ولو على سبيل التهويل، «لأن من شأن ذلك أن يعزز مناخات التصادم وليس من عاقل يمضي في سياسة اللعب بالنار لأن العواقب لا يمكن إلا أن تكون وخيمة على الجميع وفي مقدمهم من يعتبرون أنفسهم أنهم أم الصبي».
لا يخفي نائبان سنيان من فريق الرابع عشر من آذار، أحدهما من بيروت والثاني من طرابلس، استغرابهما من مواقف بعض القيادات الحزبية المسيحية المصرة على النظرية القائلة إن نصاب جلسة الانتخاب الرئاسية هي النصاب العادي أي النصف زائداً واحداً. ويتساءلان أمام زوارهما المسيحيين عمّا إذا كانت وراء هذه المواقف طموحات رئاسية غير ممكنة على الإطلاق إذا جرت الانتخابات على قاعدة نصاب الثلثين. ثم يشيران إلى خطورة تكريس مثل هذه السابقة، سواء عبر المواقف السياسية أو من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية على هذه القاعدة. ويتساءل أحدهما: «ترى ألا يهم ماذا يمكن أن يحصل بالمسيحيين بعد ست سنوات؟».
في هذا الإطار، تلفت الأوساط المسيحية التي اجتمعت بالنائبين المذكورين، تأكيداً على كلامهما، إلى أن عمر الكيان اللبناني السياسي البالغ في الأول من أيلول الجاري 87 سنة، شهد 86 عاماً من التحالف الإسلامي، في شكل عام، إزاء انقسام مسيحي، في المقابل هناك سنة واحدة من الانقسام الإسلامي إزاء انقسام مسيحي لا يزال مستمراً. ورداً على التبريرات التي تعطى بأن الهدف من هذه المواقف هو التهويل للضغط على كل الأطراف لإلزامهم حضور جلسة الانتخاب الرئاسية، بأن التاريخ يحفظ المواقف لا النيات، وقد يأتي يوم يُطالب به المسيحيون بما يطلبه بعضهم اليوم.