روز زيادهالمصالح هي أم الوجود، وهي كفة الميزان الراجحة دائماً. أمامها تسقط كل الأعراف، والأعمال الإنسانية. حق الشعوب في العيش الكريم، وحق الأبناء في رعاية الأهل، والأمهات والآباء في اهتمام أبنائهم.
لفتني حديث السيدة ماجدة الرومي عن الإنسان الذي تقرّبه مصاعب حياته، ومصائبها من الله. وعن إنسانية الأم تريزا. هذا الكلام أثار في ذاتي فضولية التفتيش الضمني في نفس وروح الإنسان وتصنيفاته من خيّر إلى شرير وإلى طمّاع. كل هذه التوصيفات تتركب في كل منا، فالإنسانية موجودة مثل الشر، والتسامح قائم مثل الحقد، والحسد. وهي كبيرة الشبه بالجراثيم التي تتكوّم في جسم الإنسان. لكن في وقت من الأوقات، تفرز جرثومة منها سمومها أكثر من غيرها فيفرض علاجها.
نحن جميعاً نحمل في كياننا بذور الإنسانية والأنانية، وإذا ما شمخت واحدة عن أخرى، قتلتها لتبقى هي الكيان الأساسي. إنسانية الأم تريزا قتلت بشراسة الأنانية وحب الذات اللذين هما فيها لأن إنسانيتها اقترنت بالشجاعة، بالرحمة، بنبذ الحقد.
في لبنان، تقف كرامة غاشمة حائلاً دون القيام بواجب تجاه أبائنا وأمهاتنا. جرحتني حادثة في الأسبوع الماضي دفعت ثمنها أم عجوز عاجزة. كانت قد عانت ما عانته للحفاظ على عائلتها مشدودة بأواصر المحبة. ولكن هذه العائلة لم يخِزها أيّ حس من أحاسيسها عندما تركت عجوزاً مثلها في أحد بيوت الراحة تعاني أوجاعها وغربتها ووحدتها وصقيع العاطفة. بعد مدة من الزمن ماتت هذه الأم وحيدة. ماذا قالت؟ من طلبت؟ أو ماذا طلبت؟ في غرفة في بيت الراحة لم تلمسها يد ابنتها أو حفيدتها أو أي إنسان تربطها به عشرة عمر. لم تسمع صوت ابنها يخفّف من خوفها. صمت حزين رتبته عنجهية غبية وفقدان العاطفة.
الأهل الذين نعاملهم مثل عفش قديم نحتفظ به في غرفة القبو. قمة القسوة وقمة اضمحلال الإنسانية. وأسفي لأنّ الأم تريزا أسعفت من أسعفتهم من مرضى الجسد ولكنها لم تُبقِ قدوة لنا نحن البشر، لم نتعب أنفسنا بتخيّل الشجاعة التي دفعتها لجر عربة الإنسان المريض إلى المستشفى الذي كان قد رُفض منه.
ماجدة الرومي، نحن بحاجة إلى قسوة أقل في نفوسنا وثقافة أكثر بالرحمة في صدورنا. آمل أن نلتقي يوماً على درب الرحمة.