في الثمانينيّات الذهبيّة أخرجت الراي الجزائري من طابعه المحلّي. جالت أوروبا وأميركا وروسيا مع زوجها السابق الشاب صحراوي. المغنية التي انطلقت مبكراً على طريق الشهرة، غنّت، ومثّلت في التلفزيون والمسرح، وقريباً تعود بألبوم جديد بعد غياب طويل
سعيد خطيبي
يشبّه بعض النقاد الشابة فضيلة بنجمة موسيقى الجاز الأميركية بيلي هوليداي. فهي تمتلك أسبقية تاريخية تميزها عن بقية مغنيات جيلها، باعتبارها أول مغنية راي تنتج فيديو كليب («ما عندي زهر معاك» ــ 1987)، وأول مغنية تقوم بجولة فنية في أوروبا وأميركا حاملةً الراي إلى أبعاد عالميّة. الحديث مع الشابة فضيلة، حديث عن مسيرة الراي المعاصر، وعن تجربة فنية تتجاوز ثلاثة عقود.
تجدها تتمتع بكثير من التلقائية في الكلام. رغم السنوات الطويلة التي قضتها في فرنسا، تجدها تحتفظ بجيناتها الجزائرية، وخصوصاً تلك «النرفزة» العفويّة أثناء الحديث. لا تخفي قلقها إزاء شغفها بالموسيقى فهي واحدة من المغنيات القليلات اللواتي حافظن على إيقاع منتظم في إصدار الألبومات. «أحاول جاهدة الاشتغال على كل ألبوم كما ينبغي. آخذ الوقت الكافي في انتقاء كلمات الأغنيات، وفي التسجيل، مع التركيز على عمليتي التوزيع والترويج»، تخبرنا.
في مجتمع جزائري، بطريركي كغيره من المجتمعات العربيّة، تجاوزت فضيلة في منتصف السبعينيات مختلف العقد الاجتماعية واتخذت قرار إثبات وجودها مهما كلّف الأمر. كانت في الخامسة عشرة حينها. «يخطئ كثيرون في اعتقادهم أنّ موسيقى الراي كانت حكراً على الرجال»، تقول. «في بدايات مسيرتي الفنية، كنت مقتنعة بخيار موسيقى الراي، والدليل أنّني شرعت في الغناء باسمي الحقيقي (اسمها الحقيقي فضيلة زلماط)، من دون أن أنحاز إلى خيار مغنيات جيلي اللواتي فضّلن الظهور بأسماء مستعارة».
بنبرة واثقة، تحكي فضيلة عن أبرز العوامل التي ساعدتها في إبراز خصوصية صوتها: «السّند الأهم في مسيرتي الفنية يتمثل في العائلة. فأنا أنتمي إلى عائلة فنية. أذكر أنّ أول أغنية أديتها كانت برفقة شقيقي الأكبر الذي كان يشتغل في العمل المسرحي، وتحديداً «في مسرح عرائس القرقوز» في وهران». شكّلت تجربة المسرح محطة مهمة في بدايات فضيلة. «مثّلت أدواراً مسرحية خلال المراهقة، على ما أذكر، ونلت شرف العمل إلى جانب المسرحي الراحل عبد القادر علولة حين كنت في السادسة عشرة». كذلك خاضت فضيلة أيضاً تجربة التمثيل التلفزيوني في فيلم «جلطي» (1976) للمخرج محمد فتسان.
بعد سلسلة تجارب أسهمت في صقل شخصية فضيلة الفنية، دخلت ابنة السابعة عشرة مع بداية عام 1979 تجربة العمل الموسيقي. وجاءت البداية مع الانضمام إلى جوقة المغني بوطيبة الصغير أحد أبرز وجوه نمط الـ«بوب ــ راي» (الذي سبق نمط الراي الحالي). «ساعدني بوطيبة الصغير كثيراً ومنحني كثيراً من الخبرة التي أسهمت في تطوير ذاتي الفنية»، تخبرنا فضيلة.
منتصف السبعينيات تجاوزت عقد المجتمع البطريركي واتخذت قرار الغناء
لكن القفزة النوعية الأكثر أهمية في مسيرة الشابة فضيلة جاءت مع لقائها بالشاب صحراوي (زوجها السابق)، ثمّ عملها مع المنتج رشيد بابا أحمد. هذا الأخير مزج وسجّل عام 1983 ألحان أحد أول ألبوماتها التي تضمنت أشهر أغانيها «نسال فيك». أغنية نقلتها مع الشاب صحراوي إلى العالمية، ويقول فيها الثنائي: «عمري لالة!... أنا نبغيك يا عيني... أنا نبغيك يا ابن أمّا... شفته في الظلمة تكسر لي خاطري... وشكون اللي يعرف ضري غير أميمتي... عمري لالة!... أنا نبغيك يا عيني... سالوا دموع الأيتام وما قديتش... أنا البحر علي وآنت لا!..». وقد أعاد الشاب فضيل غناء هذه الأغنية في أولى أسطواناته «البيضاء» (1997).
«أعتقد أن سرّ النجاح العالمي الذي عرفته الأغنية ذاتها يعود إلى إدراجها ضمن أحد الأفلام الأميركية»، تقول الشابة فضيلة. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلة الشابة (مع صحراوي دائماً) في قارتي أوروبا وأميركا. «أذكر أننا في عام 1989، أحيينا سلسلة حفلات في الاتحاد السوفياتي سابقاً، قبل الغناء أول مرة في الولايات المتحدة عام 1990. عدت إلى أميركا عام 1994 برفقة الشاب حسني قبل أسابيع قليلة من اغتياله». خلال السنوات الأولى من التسعينيات، وقّعت الشابة فضيلة عقداً مع شركة الإنتاج البريطانية Island التي احتكرت لسنوات أعمال نجم الريغي الجمايكي بوب مارليه والمغنّي والملحّن البريطاني كات ستيفنس.
في منتصف التسعينيات، اتّهم بعضهم الشابة فضيلة بالهروب من الجزائر، خوفاً من مواجهة قدرها أمام اتساع الأصولية الإسلاميّة. لكنها تدافع عن نفسها قائلةً: «كلا! هذا غير صحيح. أنا لم أهرب. على عكس ما يدور من أقاويل وادعاءات. قضيت سنوات الدم في الجزائر. الحقيقة أن زوجي السابق محمد صحراوي انتقل بعد اغتيال الشاب حسني إلى فرنسا وأخذ معه أبناءنا. حينها، كنت أتردد على العاصمة باريس فقط، للاطلاع على أحوال أبنائي لبضعة أسابيع، ثم أعود مباشرة إلى الجزائر».
ربطتها في طفولتها علاقة حميمة بالشيخة الريميتي معلّمة الراي الجزائرية
بين الأمس واليوم، عرفت موسيقى الراي تحوّلات كثيرة، مع بروز عدد من الأسماء الجديدة التي لا تلقى ترحيب الشابة فضيلة. «أنا لست ضد المغنين الشباب، لكنّني ضد الرداءة. كثير من مغني الراي الجدد يعتمدون على التكنولوجيا الحديثة في تغيير الصوت وإدراج إيقاعات صوتية مختلفة وإغراء المتلقين. لكن، لحظة الجد، عند الصعود على المنصّة بغية أداء الأغاني مباشرةً أمام الجمهور، نُصدم بحقيقة ضعفهم وندرك حقيقة افتقارهم لأهم ميزات المغني وخصائصه».
بعد هذه الرحلة الموسيقية، لا تزال الشابة فضيلة تحتفظ ببعض الذكريات المضيئة من طفولتها، وعلاقتها الحميمة مع الشيخة الريميتي (1923 ــ 2006) معلمة الراي الجزائرية الشهيرة. كانت تحملها بين يديها. تتذكر فضيلة «أن الريميتي كانت تزورنا في البيت، وكنت لما أبلغ الرابعة عشرة من عمري. كانت تعانقني بقوّة وتحدثني عن الغناء. كانت تتخذني لفترة طويلة بمثابة ابنتها وتشاركني في بعض همومها».
تشتغل الشابة فضيلة حالياً على إصدار ألبوم جديد يضم تسع أغنيات من تأليفها. «تتنوع الأغنيات في مواضيعها بين وصف الحياة اليومية في الجزائر، مع التركيز على أغنية «ميما» التي كتبتها وأهديتها إلى أمهات الجزائر»، تخبرنا. «ميما» فضيلة تشعر اليوم بكثير من الراحة... «بعدما استطعت تربية أبنائي في ظروف حسنة وتزويجهم».


5 تواريخ

1962
الولادة في مدينة سيق
(بالقرب من وهران ــ الجزائر)

1979
أغنيتها الأولى «أنا ما حلالي النوم»

1983
أصدرت أول ألبوماتها «نسال فيك» مع زوجها السابق الشاب صحراوي قبل أن تنجز أول فيديو كليب في تاريخ موسيقى الراي عام 1987

1994
جولة أميركية برفقة مغني الراي الشهير الشاب حسني قبل أسابيع من اغتياله

2010
تعمل حالياً على إنجاز ألبوم من تسع أغنيات من تأليفها