يعقد رئيس بلدية طرابلس نادر غزال مؤتمراً صحافياً عند الساعة الحادية عشرة من صباح غد في قصر رشيد كرامي البلدي. وفي وقت لم يتضح فيه إلى الآن مضمون ما سيقوله غزال، تسود الشارع الطرابلسي أجواء تشاؤمية تتعلّق بوضع بلديتها. وقد خرجت هذه الأجواء إلى العلن إثر الجلسة الأخيرة التي عقدتها بلدية طرابلس استثنائياً منتصف الأسبوع الماضي، ومثّلت تحوّلاً هاماً بما يخصّ عملها ونشاطاتها. فقد كشفت بوضوح طبيعة العلاقة المأزومة بين رئيسها وأغلبية الأعضاء، وعكست بنحو غير معلن عدم رضى القوى السياسية عن غزال بعد مرور قرابة ستة أشهر على إتيانها به رئيساً توافقياً.ومع أن البيان الرسمي الذي صدر عقب الجلسة حاول التأكيد أن «الأجواء كانت إيجابية ومنسجمة بين جميع الأعضاء»، فإن ما تسرّب منها ومن الجلسات السابقة أشار إلى عكس ذلك تماماً. وهذا ما أشارت إليه «الأخبار» في عددها الصادر بتاريخ 22 كانون الأول الجاري، تحت عنوان «تصدّع في بلدية طرابلس»، وتحدّث عن رضوخ غزال لمطلب 17 عضواً وجّهوا إليه في 15 / 12 / 2010 كتاباً طلبوا فيه منه عقد جلسة استثنائية للمجلس البلدي، لتجديد عقود 16 موظفاً متعاقداً مع البلدية، على الرغم من تحفظه المسبق على هذا الأمر. جاءت أجواء تلك الجلسة لتدلّ على أن مرحلة جديدة ومختلفة من التعاطي مع بلدية المدينة قد بدأت، وهي مرحلة تضع غزال والمجلس البلدي الذي يفترض أن يديره، أمام أول امتحان جدّي من القوى التي دعمته.
ففي مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، وفي لقاء جمعه مع إعلاميي الشمال، أوضح الرئيس نجيب ميقاتي رداً على سؤال، أنه يفضّل عدم التعليق سلباً أو إيجاباً على أداء رئيسَيْ بلديتَي طرابلس نادر غزال والميناء محمد عيسى، وأنه قرر أن يعطيهما فترة سماح تمتد 6 أشهر، وبعدها يدلي برأيه.
لكن ميقاتي كشف في ذلك اللقاء بعضاً من ملاحظاته على أداء الرئيسَيْن، إذ إنه أشار في حينه إلى أنه، وكذلك غيره من السياسيين الذين تشاركوا في صيغة التوافق البلدي في طرابلس وجارتها الميناء، رأوا أن على غزال وعيسى «أن يقدّما خطة استراتيجية تتضمن رؤيتهما للعمل البلدي، وما ينويان القيام به للنهوض بالمدينتين معاً في مجالات عدة». لكنهما، حسب ميقاتي، غرقا في التفاصيل الصغيرة منذ اللحظة الأولى، ما دعاه إلى إبداء الأسف، والأمل في تجاوز ذلك في المرحلة المقبلة.
إشارة ميقاتي تلك كانت مؤشراً استدلّ منه البعض إلى عدم رضى عام يسود أوساط السياسيين، وكذلك الأوساط الشعبية في طرابلس، على ما يجري في بلدية مدينتهم تحديداً، وفي بلدية الميناء بدرجة أقل. ساعد في إشاعة هذه الحالة تراكم الملاحظات التي كانت تصل إلى السياسيين، باستمرار، من أعضاء المجلس البلدي المقرّبين منهم في البلديتين. على الرغم من ذلك، لزم السياسيون الصمت وفضّلوا عدم التعليق، تاركين الأمور تأخذ مجراها الطبيعي في فترة السماح.
أبرز الملاحظات التي سُجّلت على غزال تمثّلت في عزلته وعدم نزوله إلى الأرض ومعاينته المشاكل على حقيقتها، لدرجة أن أعضاء في المجلس البلدي لفتوا نظره إلى أنه إذا مرّ في شوارع المدينة بمفرده فقد لا يتعرّف إليه أحد، على عكس رؤساء البلدية السابقين. وهذا ما دفع غزال لاحقاً إلى القيام ببعض الجولات، إضافة إلى فتح المجال أمام المواطنين للالتقاء به وعرض قضاياهم لمدة ساعتين فقط كلّ أربعاء.
ملاحظة أخرى سجلت على غزال هي سفره الدائم خارج لبنان، فضلاً عن إقامته في بيروت يومين في الأسبوع، ما دفع أحد أعضاء البلدية إلى القول إنه سجّل على غزال مغادرته لبنان نحو 35 مرة منذ تسلّمه مهماته، وإنه كان يبقى خارج لبنان بين أربعة إلى خمسة أيام أحياناً. وعندما ناقش بعض الأعضاء معه هذا الأمر، أوضح لهم أنه أبلغ السياسيين الذين توافقوا عليه منذ البداية، أنه كثير السفر بسبب انشغاله، ولم يعترضوا على ذلك.
هذا الغياب المتكرّر لغزال عن متابعة قضايا المدينة، شجّع أعضاء في المجلس البلدي على التقدّم لملء الفراغ، وخصوصاً أن معظمهم يمثّل قوى وتيارات سياسية ومناطق وأحياء وعائلات، والأخيرون قد يحمّلونهم مسؤولية أي تقصير قد يحصل بغضّ النظر عن التبريرات، ما جعل مبادرات الأعضاء تغطّي على غياب الرئيس في أكثر من جانب.
أبرز فصول هذه المرحلة حصل أثناء زيارة وزير الأشغال العامة غازي العريضي إلى طرابلس مطلع الشهر الجاري. يومها كان غزال خارج البلاد، فتداعى 11 عضواً بلدياً، يمثّلون أغلب القوى السياسية في المدينة للقائه. خلال اللقاء فوجئوا أن غزال لم يقدّم إليه أي عروض مشاريع لتنفيذها في المدينة، ما دفع العريضي إلى الطلب من المدير الإقليمي للوزارة في الشمال إلياس عقل متابعة هذه الأمور مع أحد أعضاء البلدية. هذا الأمر أثار حفيظة غزال الذي علّق أمام أحد الأعضاء على وعود العريضي للمدينة بالقول: «إسمع تفرح، جرّب تحزن!».
عند هذا الحدّ، اختلطت الأمور داخل البلدية، وتداخلت التصرفات والعلاقات الشخصية مع القضايا العامة. حاول غزال القيام بمبادرة، وتوجيه ضربة استباقية لمن يحاولون استهدافه والنيل منه، من خلال جولة واسعة قام بها على نواب المدينة ومرجعياتها السياسية. وقال في أكثر من مناسبة، إن من يريدون إفشاله يعملون على نقض التوافق السياسي الذي جاء به رئيساً توافقياً وتعطيله، وإن وراء ذلك غايات وأهدافاً سياسية ومصالح اقتصادية وشخصية.
لكن جولة غزال خرجت بمفاجأتين. الأولى أن السياسيين استمعوا إليه أكثر مما تحدثوا، وتريّثوا في إعطائه أيّ موقف دعم كان يسعى إليه بإلحاح لمواجهة الحملة التي يتعرّض لها، سياسياً وإعلامياً (من بعض الصحافة المحلية) وشخصياً. العبارة الوحيدة التي سمعها غزال من أحد السياسيين قوله: «هؤلاء الأعضاء ليسوا أزلاماً عندي، كلّ واحد منهم عنده شهادة «قد الحيط»، ويملكون حيثية في الشارع وخبرة في العمل تدفعهم أحياناً إلى عدم الردّ علينا، فتفاهم معهم قبل أن تتفاهم معنا!».
أما المفاجأة الثانية فكانت في قيام بعض الأعضاء بـ«تعقبه»، كما جالوا بعده على القوى السياسية نفسها، شارحين لهم حقيقة الوضع من وجهة نظرهم، مؤكدين أن أكثرية أعضاء المجلس متضامنة في موقفها (17 عضواً من أصل 24 متوافقون في ما بينهم على كل صغيرة وكبيرة). فجاءهم الرد: «أنتم أعضاء المجلس، والمجلس سيّد نفسه»، و«افعلوا ما ترونه مناسباً لمصلحة المدينة»، و«إذا كان 17 عضواً ضد رئيس البلدية، فهذا يعني أن المشكلة عنده لا عندكم!».
وصول المأزق داخل البلدية إلى هذا الحد، جعل عدداً من أعضاء مجموعة الـ17، وبعضهم من تيار المستقبل الذي يُحسَب غزال عليه، يوضحون لـ«الأخبار» أن «هدفنا تصحيح المسار وتقويم الاعوجاج الحاصل في مقاربة البلدية للشؤون العامة، وليس التعرّض للرئيس الذي لا مشكلة شخصية لنا معه».
وبما أنه ليس معروفاً إلى أين ستصل الأزمة الناشبة في بلدية طرابلس، وما إذا كان سيصار إلى إيجاد تسوية مؤقتة أو حل دائم لها وهي لم تجتز بعد النصف الأول من سنتها الأولى، فإن تسيير أعضاء البلدية شؤون المجلس في ظل غياب الرئيس أو عدم توافقهم معه، يسجّل سابقة لم تعرفها المدينة من قبل. ويبدو أن هذا الوضع سيطول بعدما أبدت الأطراف السياسية المعنية عدم رغبتها في تطيير غزال والإتيان بآخر مكانه لأن ذلك قد يفتح الأبواب في هذه المرحلة الحساسة أمام قضايا شائكة وسيؤدي إلى عدم توافقهم مجدداً على رئيس بديل، ما سيصيب المدينة بالشلل، ويجعلها تدفع الثمن مجدداً.