لم يكن أمام رئيس المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي أنطونيو كاسيزي خيار سوى كسر شوكة دانيال بلمار المصرّ على منع أشخاص من ملاحقة المسؤولين عن اعتقالهم التعسّفي لنحو أربع سنوات. نعرض أبرز ما تضمّنه قرار دائرة الاستئناف
عمر نشّابة
حسم أمس رئيس دائرة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القاضي أنطونيو كاسيزي قضية طعن المدعي العام دانيال بلمار بحكم قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بشأن تسليم اللواء جميل السيد مستندات تساعده على ملاحقة المسؤولين عن اعتقاله التعسّفي. فقرّر ردّ الطعن وتثبيت اختصاص المحكمة الدولية للنظر في هذه القضية الحقوقية التي كان بلمار ورئيس دائرة الادعاء في مكتبه الأميركي داريل منديس والمحامي العام الألماني اكهارت فيتهوبف قد أصرّوا على تعطيلها لأسباب يرجّح أنها سياسية. لكن بلمار وأركان مكتبه الذين وقفوا بوجه القاضي فرانسين في جلسة 13 تموز الفائت رافضين التعاون عبر إصرارهم على عدم الإجابة عن أسئلة طرحها القاضي، هم اليوم مطالبون بالتراجع. فالقاضي فرانسين كان قد كرّر أسئلته في نصّ حكمه الذي أصدره في 17 أيلول الفائت ومن بينها سؤال عما إذا كانت جميع المستندات التي يطلبها السيّد تدخل في سرّية التحقيق. ويرجّح أن طعن بلمار بقرار فرانسين جاء بسبب رفضه الإجابة عن هذا السؤال بالتحديد، لأنه يعرف أن من بين طلبات السيّد إطلاعه على الرأي الذي كان قد عبّر عنه عندما كان يتولى رئاسة لجنة التحقيق الدولية الى القاضي سعيد ميرزا بخصوص الاستمرار باحتجاز الضباط الأربعة. وفي هذا الإطار، تناقلت بعض الأوساط الدبلوماسية في لاهاي أن مكتب بلمار تعرّض لضغوط تهدف الى حماية قضاة لبنانيين من كلّ ما يمكن أن يعرّضهم للملاحقة بسبب إصرارهم على عدم إخلاء سبيل الضباط الأربعة الذين اعتقلوا تعسّفياً.

ردّ طعن بلمار

تضمّن قرار كاسيزي بردّ الطعن الذي تقدم به بلمار في في 28 أيلول الفائت النقاط الأساسية الآتية:
أولاً، بخصوص موضوع اعتراض مكتب بلمار على مطالبة السيّد بترجمة النصوص التي تصله منه الى الفرنسية: رأت دائرة الاستئناف أنها مسألة يفترض أن يعالجها بلمار عبر تواصله مع قلم المحكمة لا عبر لجوئه الى دوائر القضاة.
ثانياً، بخصوص ادعاء بلمار أن لا اختصاص للمحكمة للنظر بطلبات السيّد: رأت دائرة الاستئناف أن قضية طلبات السيّد ليست، بحسب نظام المحكمة، من أساس اختصاصها (PRIMARY JURISDICTION) لكنها تدخل ضمن طبيعة ذلك الاختصاص (INHERENT JURISDICTION). وشدّد القضاة الخمسة على أن ذلك الحسم ينطلق من الحرص على التزام «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية».
ثالثاً، بخصوص عدم صلاحية السيّد المثول أمام المحكمة للمطالبة بتسليمه المستندات: أكّدت دائرة الاستئناف أن السيد كان يخضع لسلطة المحكمة الدولية وهو قيد الاحتجاز من 10 نيسان الى 29 نيسان 2009 يوم صدور قرار فرانسين فكّ احتجازه. ويعني ذلك أن من حقّ السيد وصلاحيته القانونية مراجعة المحكمة الدولية بخصوص شؤون تخصّ اعتقاله تعسّفياً.

انهيار أعصاب بلمار؟

أدى قرار كاسيزي الى ارتفاع نسبة التوتر في مكاتب الادعاء العام في مقرّ المحكمة في لاهاي أمس، بحسب مسؤول دولي تحدّث لـ«الأخبار» عبر الهاتف من هولندا. وأضاف المسؤول رداً على سؤال عما اذا كان ذلك سيؤثر على عملية تصديق فرانسين على القرارات الاتهامية التي تصدر عن بلمار «لا يفترض أن يكون هناك صلة بين الموضوعين، غير أن بلمار يعاني توتّراً قد يؤثر سلباً على المستوى المهني».


السيادة للشعب لا للدولة

القاضي النيوزيلاندي دافيد باراغوانث (الصورة) من بين قضاة دائرة الاستئناف الخمسة. باراغوانث متأثّر بأفكار البروفسور في جامعة يايل الأميركية أخيل ريد أمار، التي يمكن أن تلخّص برأيه بأن «السيادة للشعب لا للدولة». شرح باراغوانث خلال محاضرة ألقاها في جامعة فيكتوريا في ويلينغتون في 27 آذار 2001 أن دور الدولة، ودور القضاة، يفترض أن يكونا الخدمة العامة. ويضيف أن «تحقيق ذلك يتطلّب سلطة لا يسيطر عليها فاقدو المسؤولية ». وأشار الى أن القضاء، بصفته المراقب نيابةً عن المواطنين، عليه أن يحدّد الذين يفترض أن يحظوا بالحماية أو أن يُتركوا بسلام «وأولئك الذين يُفترض أن يُنبح عليهم ويُعضّوا» (THOSE TO BE BARKED AT OR BITTEN).