بر الياس ــ نقولا أبو رجيلي أكثر من 15 عاماً مضت وأهالي بلدة الفاعور والقرى المجاورة في شرق زحلة يدبون الصوت، عبثاً. فمكبّ النفايات في بر الياس الذي أطفأ شمعته الخامسة عشرة تحت أنوفهم، لا يزال هنا، وسط السهل بين المزروعات، وعلى بعد عشرات الأمتار من المنازل المأهولة بالسكان، يلوّث بدخانه حياتهم اليومية.
«كل ما هبّ الهوا بيعمينا دخان المزبلي»، يقول هود الطعيمي. هكذا لا يكاد منزل في الفاعور يخلو من عوارض صحيّة وحالات اختناق يعانيها الأطفال وكبار السنّ من حين الى آخر، في الأوقات التي تتسلل فيها سحب الدخان من النوافذ المغلقة الى داخل غرف المنازل، وخصوصاً في ساعات الفجر الأولى. ويلفت الرجل إلى أن جميع العرائض التي رفعها أهالي البلدة والقرى المجاورة إلى المسؤولين في محافظة البقاع تكدست في الأدراج، فيما ذهبت الوعود التي أغدقها المعنيون بإيجاد حلّ جذري للمشكلة هباءً منثوراً.

تعد شركة إيطاليّة لتنفيذ معمل فرز النفايات بتكاليف 3 ملايين دولار
يسأل الطعيمي نواب القضاء «أين الوكالة التي منحناكم إياها في الانتخابات الأخيرة؟، إذا كانت صحتنا لا تهمكم، فما هو الذي يشغلكم عن القيام بواجباتكم تجاه من منحوكم الثقة؟ وهل ذهبت نسبة الأصوات المرتفعة التي حصلتم عليها من أبناء عشيرة عرب الحروك سدى؟، أم أننا أخطأنا حين قررنا استبدال الطاقم القديم والمجيء بآخر كنا قد عقدنا عليه الآمال؟، ظناً منا بأن ذلك سيحقق طموحاتنا ومطالبنا، لكن يبدو أن لديه أولويات أهمّ من صحة أبناء منطقته». الطعيمي ناشد وزير البيئة محمد رحال، ضرورة الإسراع في معالجة هذه المشكلة المزمنة، ملوّحاً بخطوات تصعيديّة، قد يلجأ إليها الأهالي الذين نفد صبرهم من تجاهل المسؤولين.
تشير هاجر النمر بيدها إلى سحب الدخان المتصاعدة من المكبّ، وتقول: «شوف شو هالمنظر، يا ريت هالزعما بييجوا بيسكنوا شي ساعتين عنا، والله تعبنا وما عدنا نتحمل دفع ثمن أدوية وتكاليف معالجة». المرأة وطفلها (10 سنوات) يعانيان من مرض الحساسيّة المزمنة.

لا تسمح الإمكانات بتحويل نفايات بر الياس إلى مكب زحلة
أما رئيس بلديّة كفرزبد، عمر الخطيب، فيوضح أنّه يتواصل دائماً مع رئيس بلدية بر الياس، ناجي الميس، لحثه على إيجاد بدائل ترفع الضرر البيئي والصحي عن سكان القرى المجاورة، لافتاً إلى أن الأخير أبلغه أنّ الحلول وضعت على السكة الصحيحة، من خلال استحداث معمل لفرز النفايات وتسبيخها. الميس بدوره يؤكد أنّ وزير البيئة طرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء ونال الموافقة على تكليف شركة إيطاليّة، باشرت بإجراء الدراسات اللازمة تمهيداً للبدء بتنفيذه في مهلة لا تتعدى بضعة أشهر، بتكاليف قد تصل الى نحو 3 ملايين دولار.
ينفي الميس ما يتردد بشأن تحويل اعتمادات هذا المشروع الى الشمال، واعداً ببذل الجهود لمعالجة وضع المكبّ الحالي بانتظار إنجاز معمل الفرز. وعن إمكانيّة تحويل نفايات بلدته الى مكبّ زحلة، يقول الميس إنّ الإمكانات الماديّة لبلديته لا تسمح بتغطية التكاليف التي تتجاوز 120 ألف دولار سنوياً.


زراعات بديلة

يقع مكب النفايات في سهل بر الياس على تخوم أراضي بلدة كفرزبد على مساحة 50 ألف متر مربع، ويفصل بينهما نهر الفاعور.
المكب الذي يتسبب بأضرار صحية وبيئية أصبح مسرحاً للكلاب الشاردة وتحوّل إلى ما يشبه الجبل، الأمر الذي أجبر أصحاب الأراضي المحيطة على التوقف نهائياً عن زراعة أراضيهم التي أصبحت بوراً، أو التحوّل إلى زراعة المنتجات تحت الأرض مثل البطاطا والبصل والجزر الأقل تأثراً بالتلوث، وأقلعوا بالتالي عن الزراعات فوق الأرض لا سيما الخس.