كأنّ تلويثها الهواء والماء والأرض بمواد كيماوية ما أنزل الله بها من سلطان لا يكفي، حتى تثير شركات الترابة والإسمنت عاصفة من الغبار يومياً في شكا بسبب مرور الشاحنات الكثيف في البلدة
شكا ـ فريد بو فرنسيس
كأنك تعيش في صحراء فيها عاصفة رملية منتظمة. هكذا، يخيّم الغبار الناتج من مرور الشاحنات المحمّلة ببضائع الشركات سحابة النهار بطريقة لم يعد أهالي بلدة شكا (في قضاء البترون) يطيقونها. لا تكف الشاحنات عن العبور وسط السوق، والأهالي ضاقوا ذرعاً بتكرار محاولاتهم لإيصال أصواتهم لعلّ المسؤولين عن صحة الناس يرأفون بحالهم وبصحتهم وبصحة أطفالهم. والسوق الذي أعادت بلدية شكا تأهيله منذ مدة لا يزال يعاني الأمرّين من عبور الشاحنات يوميّاً وبكثافة، فها هي تعبر في أيّ وقت محمّلة بالأتربة والوحول تارةً، وطوراً بأكياس الإسمنت، وشحنات الترابة (الدكمة)، مصحوبة بالغبار والدخان، و«تأثيرات جانبية» تسبّبها بعض الشاحنات أحياناً، من قطع للأسلاك الكهربائية، أو تحطيم للأرصفة، وأعمدة الإنارة، وإشارات المرور، إلى غيرها مما تصادفه.
حصول اصطدام بين شاحنتين لنقل الإسمنت، واحدة سورية والأخرى لبنانية عند مدخل السوق، أشعل فتيل الاعتصام أمس، وأدى إلى زحمة سير خانقة، ما دفع الأهالي إلى التجمّع عفوياً احتجاجاً على استباحة سوقهم من جانب الشركات وأصحاب الشاحنات على حد سواء. التجمع العفوي الغاضب كان كبيراً، وقد عبّر المشركون فيه خلاله عن استياءهم ممّا يحصل، وعمدوا إلى قطع الطريق عند المخرج المؤدي الى الأوتوستراد الدولي لمدة ساعتين، من الثامنة صباحاً حتى العاشرة، في خطوة ليست الأولى، وذلك بغية إسماع أصواتهم و«تعبيراً عن غضبنا بسبب الإهمال الحاصل، وعدم إيقاف مرور الشاحنات يومياً داخل السوق، ما يسبّب ضرراً بيئياً واقتصادياً وتجارياً»، حسب ما قال رئيس هيئة حماية البيئة في شكا بيار أبي شاهين، الذي أضاف إنّ «الناس ضاقوا ذرعاً، والسوق أصبح في حكم المنتهي إذا استمر الوضع على ما هو عليه، صحة الناس تتضرّر، وكذلك تجار السوق». وتابع المتحدث باسم التجمع «لقد قُطع الطريق عند مفرق الأوتوستراد لأن الناس لم يعودوا يتحمّلون أوساخ الشركات التي لا تفكر إلا في مصالحها، ولأن عملية تبادل الأتربة يومياً بين شركتي «هولسيم والسبع» تؤدي إلى عبور الشاحنات الضخمة داخل السوق يوميّاً مع كل ما يمكن أن تحمله هذه الشاحنات من غبار يلوّث الأجواء، ويؤذي أصحاب المحال التجارية وصحّة الناس».
الاعتصام جاء تحت عنوان «أوقفوا مرور الشاحنات في سوق شكا» كما يقول شاهين، و«الأمر لم يعد مقبولاً على الإطلاق، وعلى المسؤولين أن يعوا مسؤولياتهم تجاه الأهالي والسكان. تكفينا الروائح الكريهة السامة التي تفوح من مصانع الشركات، وتحرمنا النوم في منازلنا ليلاً، لتأتي الشاحنات وغبارها ويزيدا الطين بلّة». وأضاف شاهين «نحن نعلم أنّ الحيتان كبيرة وتبتلع كل شيء ولن نستطيع الوقوف في وجهها، وأنّ هذه الاعتصامات والتحركات لن تقدم ولن تؤخر، ولكن على الأقل نُسمع أصواتنا، ونظهر مشكلتنا».
من جهته، رأى رئيس بلدية شكا فرج الله الكفوري أن تحرك الأهالي واحتجاجهم وإقدامهم على إقفال الطريق أمام الشاحنات التي تجتاح شوارع شكا وطرقاتها هو «حق لهم، ونحن إلى جانبهم في هذا الموضوع». وقال: «إن البلدية اتخذت قراراً باستحداث طريق خاص لكل شركة لربطها بالأوتوستراد تفادياً لمرور الشاحنات داخل شكا، ونحن منذ 6 سنوات نسعى إلى تنفيذ هذا المشروع، إلا أننا لم نستطع حتى الآن الحصول على مرسوم من الدولة اللبنانية لاستملاك العقارات التي ستمر فيها الطرقات. استعنّا بمكاتب هندسة وأعددنا الدراسات اللازمة والخرائط، وعقدنا سلسلة اجتماعات مع مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال لإنجاز مشروع مدروس حسب القوانين المرعية الإجراء، والملف حالياً موجود في التنظيم المدني لإقرار المرسوم».
وفيما تحدث بعض من المعتصمين عن ضرورة إيقاف مرور الشاحنات يومياً وسط السوق ذهاباً وإياباً، اقترح البعض الآخر الإسراع في تأمين وإنجاز الطريق الفرعية، التي تلتفّ حول شكا، بحيث تسلكها الشاحنات من دون المرور في سوقها التجاري. علماً بأن هذه الطريق اتفق عليها بين المعنيين في المنطقة من بلديات وشركات عاملة. ويؤكد الكفوري أن «الوضع لم يعد يُحتمل في شكا، حيث إنّ أكثر من 1200 شاحنة محمّلة بما لا يقل عن 25 ألف طن من الأتربة والإسمنت والمشتقات الترابية تعبر يومياً شوارع شكا، وتحمل معها الغبار والتلوث، وهذا الوضع لم يعد يحتمله الأهالي، الذين قاموا اليوم بهذا التحرك وهم بصدد الإعداد لخطوات تصعيدية لإيصال أصواتهم إلى المراجع المختصة».