Strong>مطلع عام 2011، تُنجز آخر المباني التي تكفل بها مشروع وعد لإعادة إعمار الضاحية الجنوبية. وبهذا الإنجاز، يكتمل إعمار 247 مبنى في الضاحية، دمرتها قبل أربع سنوات آلة الحرب الإسرائيليةعندما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن انطلاق عملية إعادة إعمار البيوت التي دمرتها الحرب المشؤومة، قالوا في حينها إن ما أوصى السيد بعودته «أجمل مما كان» لن يستغرق الكثير من الوقت. حددوا ذلك الوقت بسنتين. ثلاث. ولم يضعوا في اعتباراتهم أن يتخطى مشروع «وعد» في عملية إعادة الإعمار عتبة الأربع سنوات. لكن، ما لم يكن في الحسبان، حصل. انتهت ذكرى الحرب الرابعة، على سيرة بيوت لم يطلها الإعمار، وانتظار جديد.
مع ذلك، لا يزال وعد «وعد» قائماً. وبحسب المهندس حسن جشي، المدير العام للمشروع، من المفترض أن يُنجز آخر مبنى مطلع العام المقبل. بعبارة أوضح: «قبل الذكرى الخامسة». لكن، هل سأل الممتعضون من هذا التأخير في إنجاز عملية الإعمار عن السبب للوصول إلى الذكرى الرابعة قبل إنجاز كل المباني؟ ربما من المجدي طرح هذا السؤال، ولو على أنفسهم، قبل رمي الفرضيات. ثمة أجوبة كثيرة عن هذا التساؤل. أولها، وهو البديهي، الذي بات جشي قادراً على البوح به بعد تخطي الكثير من المراحل في عملية الإعمار. ففي بداية الطريق، واجه مشروع وعد عراقيل كثيرة لم تكن في الحسبان، منها «صعوبة الحصول على خرائط الكثير من الأبنية، وما حصلناه في ذلك الوقت ربع تلك المستندات». ضاعف هذا السبب الوقت، وبات البحث عن مستندات بديلة هو الحل «كأن نستعين بالصور الجوية للمباني وقواعد الأعمدة». كان يتوقع أصحاب المشروع أن تكون تلك العقبة هي الأصعب في المسيرة. هكذا ظنوا. لكن يبدو أن لائحة العراقيل لم تقف عند فعلة العدو الإسرائيلي، إذ أتت فعلة الشركات الأجنبية. فقبل البدء بالإعمار «على الأرض»، وفي لحظة سياسية معينة، انسحبت الشركات الأجنبية كلها من المناقصات، بسبب انتماء مشروع وعد لمؤسسة جهاد البناء التي أُدرجت عقب الحرب ضمن لائحة «المؤسسات المصنفة إرهابية». هكذا، لم يبق من التصورات إلا الحلم. وبات الرهان على الوقت خاطئاً.
تسلم «وعد» منتصف الشهر الحالي نحو 30 مبنى
كبر الفارق بين النظري والواقع. ولعل ما زاد من صعوبة هذا الفارق هو كيفية التعاطي مع الناس «التي هي مشروع في حد ذاته»، يقول جشي. هنا، يصبح بناء الحجر أهون من التعاطي مع بشر لم يبق أمامهم إلا هذه الفرصة كي يعيدوا ترميم حياتهم كما يحلمون. لكن حلمهم أطال فترة إعادة الإعمار. فكيف سينهي العاملون بناء 5500 وحدة سكنية في فترة قياسية، إن كان العمل يتطلب التواصل مع 5500 بشري؟ أي ما معناه 5500 رأي؟ مجرد الأخذ بكل هذه الآراء يتطلب وقتاً يضاهي إعمار تلك الوحدات. فكل واحد منهم يريد الاطلاع على تفاصيل العمل، وهو عمل لا بد منه «وخصوصاً أننا نحتاج لأخذ الموافقة على التصاميم قبل البدء بأي خطوة». وأخذ الموافقة يتطلب «الأخذ بعين الاعتبار رغبات صاحب البيت ومناقشة التصاميم معه ومشاركته بعض التفاصيل الداخلية من انتقاء الألوان...». لكل هذه الأسباب، تأخر الوعد 4 سنوات. فبعض البيوت «لحقها التعديل في التصاميم أكثر من مرة»، يقول جشي. وقد يكون الدليل على صعوبة انتزاع موقف واحد من أصحاب بناية واحدة ما يصل إليه العاملون في بعض الأحيان من الاصطدام بالآراء على «المصعد الكهربائي مثلاً، فكيف الحال بتقسيم البيوت التي يجب أن تكون متشابهة في جميع طبقات المبنى الواحد؟».
لكن، هل هي أزمة تعاطٍ مع مواطنين أجبرتهم حياتهم المعطوبة على اتباع هذه الأساليب؟ على ما يبدو أن لا، فللدولة حصة في التأخير. وهنا، يشير جشي إلى أن «بعض التعويضات لم يتقاضها الناس لاستكمال عملية البناء»، طالباً من المعنيين «بتسريع عمليات الدفع». وإن لم تستجب الدولة، «فلوعد الله»، إلا أن ذلك «لا يفرمل عملية إعادة الإعمار، بل يعيقه». وفي انتظار بت الدولة بتأخير الدفعات، تستعين وعد «بالهبات والمواد العينية من المؤسسات والجمعيات الإنسانية ومؤسسة جهاد البناء التي تموّل عملية الإعمار».
إذاً، لم يكن المجال مفتوحاً لتنفيذ الوعد في وقت قياسي. لكن، مطلع عام 2011 تًنجز آخر المباني، ليكتمل إعمار 247 مبنى تكفلت «وعد» بإعادة إعمارها. كان من المفترض أن يكون عدد المباني التي ستعيد وعد بناءها 281 مبنى، إلا أن مالكي 34 مبنى «قرروا ربما ألا يبنوا، اكتفوا بالتعويض فقط». من العدد الباقي، أي 247، أعادت «وعد» إعمار «ما نسبته 78% من مجمل الأعمال، أي حوالى 126 مبنى، يليها منتصف الشهر الحالي تسليم ما يقارب 30 مبنى»، يؤكد جشي. والباقي؟ «من راس السنة وطلوع». أنجزت «وعد» عملية الإعمار وفق صيغتين: الأولى «وهي الصيغة التي تبنى بموجبها مالكو 11 مبنى إعادة الإعمار بتعويضاتهم من الدولة، تضاف إليها مساعدة المؤسسة إن تبين أن المبنى يحتاج لمبلغ يفوق مبلغ الدولة». إذا تبين أن «تعويضات الدولة لم تكتمل لدى المباشرين بالبناء، نعطي نحن الأموال ريثما تأتي دفعة الدولة، وهي عملية متبعة في الصيغتين». أما بالنسبة إلى الصيغة الثانية، فهي «صيغة توكيل الناس لوعد للمباشرة بإعادة الإعمار مهما كلف». وبموجب هذه الصيغة «يتقاضى الناس تعويضات الدولة ويسلمونها لمشروع وعد كي يبدأ التنفيذ».
أما بالنسبة للتصاميم، فلم تخالف ما كان. أبقت وعد على روحية القديم. التقسيم ذاته والتوزيع أيضاً ولكن «مع تشذيب ما علق بالبناء من شوائب». ما هو جديد في المشروع هو «العمل على حداثة الواجهة واعتماد سياسة تجميع الشرفات». ثمة تفاصيل كثيرة أدخلتها «وعد» في تصاميمها ومنها إنارة الطوارئ ومصعد الطوارئ وإعمار مبانٍ مضادة للزلازل. باختصار، أعادتها «أجمل مما كانت». لكن، هناك ما ينقص هذه العودة: الملاجئ. ففي الـ247 مبنى، لم يُراع وجود الملاجئ. والسبب؟ أنه «ليس في لبنان عنوان ملاجئ، وإذا كان هناك من مشروع ملاجئ، فسوف يكون مشروعاً مكلفاً وباهظاً جداً». والحل؟ «مش بالملاجئ، بل بخطة دفاعية تحمي البلد، مش الهدف نتخبى ولكن نتصدى». يوضح أكثر «كما الملاجئ لا تمثّل حماية للناس، لأنها باتت مقابر جماعية بسبب الصواريخ التي تستعملها إسرائيل والقادرة على خرق 11 طابقاً، وعندما يصل إلى هذا العمل، فأي ملجأ سيحمي؟»، يختم. ولكن، هل السبب كافٍ لاستثناء الملاجئ من حملة إعادة الإعمار؟ الجواب في الحرب المقبلة.
ر.ح.