علي قعفرانيفي ضهور الشوير كان اللقاء. تلك الضيعة ــــ العرزال التي تتأرجح غضةً بين أغصان الصنوبر. على جنبات طرقها، تحت فيء أشجار نَسِيَتها السنون، سار معظم الناس مشياً على الأقدام في «كزدورة» ضمّت الكبار والصغار. بدت الشوارع مألوفة حتى لمن سار فيها للمرة الأولى. صخب الناس الذي حمله الهواء كان دليل وجهة السير. أما الضيف الذي توجّه أهل القرية ومصطافيها نحوه في تلك الليلة، فقد كان المطرب عاصي الحلاني، الذي سبقته أغانيه إلى قلوب الصغار والكبار في تلك البلدة، لما تحمله بالنسبة إليهم من أصالة. صوته الذي ملأ المكان، أجبر المتوافدين على خوض مغامرة اختراق الصفوف في ساحة القرية حيث أقيم الحفل. فمن حضر حفلات عاصي من قبل يعرف جيداً الحماسة التي تنقلها حركته على المسرح إلى الجمهور. وفعلاً، ما إن بدأ الحفل حتى التهب الجمع وتألّفت حلقة الدبكة خلف الصف الأخير من الكراسي، وازت تلك «المشتعلة» على المسرح.

فالقرى تنتظر من يكسر صمت لياليها بأنغام مستمدة من تراثها


تفاعل الجمهور كان هائلاً، ردّدوا معه الأغاني وكأنهم كورس، بينما شبك هو يديه بيدي الدّبيكة وشارك الأهالي فرحتهم، لتمسّ عدوى الحماسة الجميع، حتى اعتلى بعضهم الكراسي بتلقائية مأخوذاً بنغم لم يملك سوى أن يرقص عليه. كان تعطّش الجمهور لإطالة أمد تلك السهرة ما استطاعوا واضحاً. فالقرى تنتظر من يكسر صمت لياليها بأنغام مستمدة من تراثها، تتماشى معه لتمثّل مكملاً لطبيعة الجبل الأخاذة. «صوت الحدى»، «الغترة»، «بارودتي»، إضافة الى الهوارة التي اشتهر بها واشتهرت به، تلك كانت بعض الأغاني التي صدح بها صوت عاصي مغازلاً جمال الطبيعة التي أحاطت المكان الذي جمعه بمحبيه. بعدها غنّى عاصي للجنوب الذي لم يترك مناسبة لم يكرر فيها تعلقه فيه وبأهله. أما سبب تأديته تلك الأغنية العزيزة على قلب كثير من اللبنانيين، «غابت شمس الحق»، فكان، كما ذكر خلال الحفل، وجود صاحبتها، الفنانة جوليا بطرس، بين الحضور. كرّمها بأداء أشهر أغانيها، قبل أن تلبي دعوته وتعتلي المسرح بِطَلّة عرائسية متألقة زادت الحضور فرحاً.