الدنيا بدون كبريت شعلانة»، هذا هو لسان حال أهالي بلدة سلعاتا، بعدما اشتعلت النيران بسفينة محملة بالكبريت كانت تفرغ حمولتها في شركة «كيماويات لبنان» في سلعاتا. سرعة إطفاء الحريق واتجاه الرياح ساعدا في التخفيف من حدة الكارثة. لكن الحادثة أعادت طرح ملف الشركة التي تصنّف بأنها الأكثر تلويثاً على شاطئ البحر المتوسط
بسام القنطار
أمضى خمسة عمال سوريين نهارهم أمس في كنس الطريق البحرية بين كوبّا وسلعاتا، التي يقابلها عند شاطئ البحر معمل «سلعاتا للكيماويات» التابع لشركة «كيماويات لبنان». حملة النظافة الجديدة لم تسهم كثيراً في تحسين النظافة العامة لمحيط المصنع الغارق في القاذورات والملوثات. كان يمكن هؤلاء العمال أن يكونوا إلى جانب أربعة من زملائهم، هم: صالح بكور، وسيم السيد، محمد بيازيد وأحمد الحسيني، الذين يرقدون في مستشفى إميل يواكيم البيطار في البترون، بعدما أصيبوا بجروح وحروق أثناء محاولتهم الإسهام في إطفاء حريق شبّ في الثالثة من فجر أمس داخل باخرة راسية في مرفأ سلعاتا تحمل اسم «فيليكا»، ومحملة بمادة الكبريت لشركة «كيماويات لبنان».
حادثة أمس أعادت تسليط الضوء على الواقع البيئي المأساوي لهذا المصنع، الذي أطفئ عامه الخمسون قبل سنوات، تاركاً وراءه نصف قرن من التلويث للطبيعة البرية والبحرية المحيطة به. وينتج معمل سلعاتا عدداً من المواد الكيماوية، منها حمض الكبريت وحمض الفوسفوريك وحمض السولفيريك، إضافة إلى أسمدة فوسفاتية وغيرها.
إطالة مدة تشغيل الشفّاط وارتفاع درجة الحرارة أدى إلى اشتعال النار
«الأخبار» التقت شاهداً عياناً في محيط المصنع، فأفاد بأن الباخرة كانت متوقفة في المرفأ منذ يومين وتفرغ حمولتها من مادة الكبريت المستخدم في عملية التصنيع، وأن الحريق اندلع في ساعات الفجر الأولى. رواية الشاهد تتطابق مع رواية عامل في المصنع رفض الكشف عن اسمه، وبحسب هذا العامل، فإن صراعاً دار بين بلدية سلعاتا وإدارة المصنع على طريقة تفريغ الحمولة؛ لأن السفينة غير مجهزة بآليات تسمح بتفريغ حمولة بطريقة آمنة، فعمدت الشركة إلى استخدام شفّاط مطاطي لضخ الكبريت بإشراف خبير مصري، ونتيجة إطالة مدة تشغيل الشفّاط وارتفاع درجة الحرارة، حصل احتكاك أدى إلى اشتعال النار.
وحضر إلى مكان الحريق المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة، الذي أشرف على عمليات إطفاء الحريق، التي باشرتها فرق الدفاع المدني فور تبلغها باندلاع الحريق. وكان مدير العمليات في المديرية العامة للدفاع المدني جورج بو موسى قد تولى مهمة إطفاء الحريق مع وحدات الدفاع المدني في كل من البترون وكفيفان وزغرتا بمؤازرة الجيش.
وفي الصباح، توجه وزير البيئة محمد رحال، إلى المنطقة للوقوف على الأضرار الناتجة من الحريق، وتوجه إلى المكان أيضاً فريق تقني من وزارة البيئة، ضم رئيس مصلحة الدوائر الإقليمية والضابطة البيئية جريس برباري والخبير الكيميائي الدكتور حنا بو حبيب، للكشف الميداني على الباخرة وإعداد تقرير عن أسباب الحريق، والأضرار البيئية التي سببها لاتخاذ الخطوات اللازمة والضرورية في أسرع وقت ممكن.
وبعد الكشف الميداني، رفع الفريق التقني لوزارة البيئة تقريراً أفاد بـ«أن الحريق الذي شبّ عند الساعة الثالثة والنصف فجر الاثنين ناتج من عطل تقني داخل الباخرة أدى إلى اشتعال مادة الكبريت في عنبرين، بعدما كانت الباخرة قد أفرغت نسبة كبيرة من حمولتها، الأمر الذي ساعد في السيطرة على النيران من الدفاع المدني الذي حضر مع ست شاحنات وسيارة إسعاف».
وأفاد التقرير الذي تسلمه رحال بـ«عدم حصول أي تسرب لمادة الكبريت في البحر في محيط الباخرة، وأن الدخان الذي تصاعد من الحريق اتجه نحو البحر، لا نحو ساحل البترون». ولفت التقرير إلى أن «شركة كيماويات لبنان» باشرت بأعمال التنظيف في ساعات الصباح بإشراف رئيس مجلس إدارة الشركة إلياس سكاف ومسؤول السلامة طوني عون.
ورأى رحال في اتصال مع «الأخبار» أن هذا الحادث يمثّل جرس إنذار للمعنيين من أجل التشدد في معايير السلامة، وخصوصاً المتعلقة بسلامة البيئة. ولفت رحال إلى أنه تابع شخصياً موضوع معمل سلعاتا الشهر الماضي، إلى أن جرى التوصل إلى تكليف شركة مختصة دراسة الأثر البيئي للمعمل، ستُصدر تقريراً موثقاً في غضون ستة أشهر، ما يسمح بإجراء عملية تقويم شاملة تُبنى عليها خطة للمعالجة. وأكد رحال أن سلسلة المراسيم التي ستصدر قريباً ستساعد في ضبط عمليات التلويث الصناعي وتحد من تفاقمها.
الأمين العام لـ«المؤتمر الوطني الدائم للبيئة» ربيع سالم، كان بالقرب من مكان اندلاع الحريق، حيث يدير النادي اللبناني لليخوت، وقام بجولة على متن قارب بحري في محيط الباخرة للتحقيق في طبيعة الحادثة والتلوث الذي سببته.
سالم أكد لـ«الأخبار» أن اتجاه الهواء ساعد في عدم حصول كارثة بيئية، وخصوصاً أن دخان الكبريت المشتعل سام جداً، وكان يمكن أن يسبب حالات اختناق. وأكد سالم أن الإجراءات التي قامت بها الشركة بعد وقوع الحادثة كانت مهمة جداً، وخصوصاً لجهة تفريغ حمولة السفينة وتركيب حزام واقٍ يمنع تسرب مادة الكبريت إلى البحر. وأكد سالم أن «المؤتمر الوطني الدائم للبيئة» ليس بصدد الدفاع عن الشركة، لكن عندما تُتخَذ إجراءات جيدة يجب التنويه بذلك، مع التأكيد أن معمل سلعاتا يحتاج إلى اتخاذ العديد من التدابير لتحسين بيئة العمل المحيطة وتخفيف نسبة التلوث التي يسببها.
في المقابل، يرى الناشط البيئي في بلدة شكا بيار أبي شاهين أن «شركة كيماويات لبنان» وشركات الترابة وغيرها من الشركات الملوِّثة في سلعاتا وشكا لا يعنيها تحسين الواقع البيئي، وهي محمية «من فوق ومن تحت» بحسب رأيه. وسأل أبي شاهين عن نتائج العينات التي قيل إن سفينة قانا التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية قد أخذتها من قعر البحر في سلعاتا، والتي مضى على إعلانها ما يزيد على عام وعدة أشهر، وإن ستنتهي دراسة تقويم الأثر البيئي التي لزمت قبل شهر إلى المصير الذي انتهت إليه دراسة المجلس الوطني للبحوث العلمية.
بدوره، طالب مسؤول حملة المحيطات في غرينبيس ـــــ لبنان قره بيت قزانجيان، بعدم التركيز على الحوادث الصغيرة فقط، رغم أهمية الاستجابة السريعة لها، لكن الأهم هو التركيز على التلوث اليومي والمستمر الذي تسببه شركة كيماويات سلعاتا وغيرها من المعامل التي تُعَدّ أكبر تهديد للبيئة البحرية. وختم قزانجيان: «قرار التنقيب عن النفط في لبنان سيزيد من حدة الكارثة، وسنشهد حينها حوادث يومية مشابهة لتلك التي حدثت في سلعاتا أمس».