هناك مَن يخشى مِن انطلاقة متعثرة للعام الدراسي الرسمي بعد الإرباك الذي تركه قرار وزارة التربية بتقديم موعد الانطلاقة. ومع ذلك، لا يبدو أنّ أحداً يعترض على القرار بحد ذاته بل على الطريقة «المسلوقة» التي صدر بها، فأتى ارتجالياً لا يراعي إيقاع المدرسة الرسمية والاستحقاقات التي يواجهها الناس
فاتن الحاج
هل ينتظم العام الدراسي في المدارس الرسمية في 20 أيلول المقبل أم أنّ وزير التربية حسن منيمنة سيضطر لإصدار مذكرة ثانية لتأجيل الموعد؟ الجواب رهن الاختبار. منيمنة، على الأقل، يبدو واثقاً من أنّ الخطوة ستنجح مع اكتمال الاستعدادات اللوجستية «وبعدين التسجيل شو بدّو غير حضور الجهاز الإداري والتعليمي إلى المدرسة». وأكد «أن من يعترض على القرار لا يريد إصلاح التعليم الرسمي». لكن هل غاب عن بال الوزير أنّ الموعد يتزامن مع استحقاقات أخرى لا تقل أهمية، لا سيما رمضان والعيد وتحضير المونة البيتية في القرى؟ وماذا عن الطلاب الذين يساعدون أهاليهم في العمل الزراعي أو أولئك الذين يعملون في الصيف «لتحويش المصاري» ودفع رسوم التسجيل؟
بالمبدأ، لا أحد من هؤلاء يرفض أي قرار يصب في دعم التعليم الرسمي وتحسين نوعيته، لكنهم يرون أنّ «القرار الجديد اتخذ على عجل فأربك الأساتذة والأهالي والطلاب معاً»، على حد تعبير فؤاد ابراهيم، الأستاذ في ثانوية بنت جبيل الرسمية. يقول ابراهيم إنّ بعض المعلمين سافروا ولم يكونوا في جو القرار أو أنّهم علموا به بطريقة أو بأخرى لكنّهم لم يتوقعوا أن يطبق ابتداءً من العام الدراسي الحالي. صافي سلامة، الأستاذ في الثانوية نفسها، وصف الخطوة بالجيّدة، وخصوصاً أنّه كان يظن أنّ العام الدراسي سيبدأ في أول أيلول وينتهي في أول حزيران. وعندما نخبره بأنّ الموعد الثاني هو آخر حزيران، يقول: «مش معقول! ما طلعت مذكرة بهيدا الموضوع وإذا هيك صارت مش رح نرضى، فغالباً ما نشكو من أداء التلامذة بالشوب».
ورأت إحدى المعلمات التي رفضت الإفصاح عن اسمها أنّ المشروع فولكلوري «وما كان في داعي يكركبوا العالم قبل ما يحضروهن نفسياً، وخصوصاً أنّهم مش رح يقدروا يعملوا شي بهالـ15 يوماً ثم أنّ بعض أهالي المدن هربوا من الحر إلى المصايف وتخربطت هلق كل ترتيباتهم».
أما ركان فقيه، المدرّس في متوسطة الشهيد عبد الكريم الخليل في الضاحية الجنوبية فلا يخفي أنّ الخطوة «مسلوقة والناس بدها وقت لتتعوّد عالفكرة». إلا أنّه بدا مرتاحاً لقرار «لازم يصير من زمان»، لأنّ العام الدراسي قصير جداً في المدرسة الرسمية التي لا تنجز مناهجها في أكثر الأحيان. الحذر الوحيد بالنسبة إليه أن لا تلحظ الوزارة حقوق المعلمين لقاء الزيادة في أيام التدريس.
الارتياح انسحب على بعض الأهالي الخائفين على مصير أولادهم في الامتحانات الرسمية كما هي حال ميرنا ابراهيم، والدة شاب في صف البريفيه. كادت الفرحة لا تسع الأم لدى معرفتها بالخبر «مبسوطة كتير لأنو تلامذة البريفيه أكلوها في السنة الماضية، ما كان معهم وقت ليخلصوا البرنامج، هلق الوقت تمام». تقول ميرنا إنّها اضطرت هذا العام لنقل أولادها إلى المدرسة الرسمية نظراً لضيق الحال «لكن مش مهم يروحوا عالمدرسة بدنا ياخدوا نتيجة».
هاجس عطا حميّة، أب لثلاثة أولاد، هو في مكان آخر. «حشرونا»، يقول وقد اجتمعت كل هموم الدنيا في رأسه. يحتار الرجل كيف سيؤمن مصاريف رمضان ومراسم العيد في الضيعة والمونة التي تكلّف مليون ليرة لبنانية وتكاليف المازوت وكسوة المدارس «وهلق قطعوا نفسنا عالآخر بتحديد موعد المدارس بأيلول، في تشرين كان فيها وما فيها».
وسط هذا الضياع، تستبعد رئيسة رابطة المعلمين الرسميين في بيروت عايدة الخطيب انتظام الدراسة قبل تشرين الأول، لا سيما أنّه تتخلل فترة التسجيل 4 أيام للعيد. وكمديرة لمدرسة رأس بيروت الثانية المختلطة تلفت إلى أنّ الأنظمة الداخلية القديمة «تسمح لنا باستقبال الطلاب حتى كانون الأول»، على قاعدة أنّه «لا يحق لنا أن نرفض أي تلميذ». وهنا تسأل: «لماذا تحديد موعد انتهاء التسجيل ما دام المديرون يخرقون الشروط التزاماً بهذا المبدأ؟».
أما إذا كانت المشكلة هي إنجاز البرامج فهناك أكثر من آلية للحل، بحسب الخطيب، مثل زيادة حصة تعليم في اليوم، الاستفادة من العطل، إعادة النظر في ساعات التدريس لبعض المواد، مبدية خوفها من أن يصبح التعليم دواماً من دون إنتاج، فهل هذا هو المطلوب؟. و«إذا كان المقصود أن نبدأ صورياً فيجب ألا نقبل»، تقول، «لأنّ ذلك سيضاعف مصاريف المياه والكهرباء وبدلات نقل المعلمين». تضيف: «هل عُيّن معلمون لتدريس مواد التكنولوجيا والمسرح والفنون والمعلوماتية؟».

خوف من عدم لحظ حقوق المعلمين مقابل زيادة أيام التدريس
تخشى النقابية أن «نتمثل بالمدارس الخاصة المسماة دكاكين، إذ ليس سراً كيف تستبد هذه المدارس بالمعلم وتستغله حتى آخر رمق». وبالنسبة إلى تقديم العام الدراسي تشبهاً بالدول الأخرى، تقول: «هناك بعد تربوي لبدء السنة باكراً في هذه الدول، ففي فرنسا مثلاً، هناك عطلة شتوية تمتد شهرين يرتاح فيها الأساتذة والطلاب ويستعيدون نشاطهم». كذلك يبدأ العام الدراسي باكراً في المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان لصفوف الشهادات الرسمية، وهذا ما تفعله بعض المدارس والثانويات الرسمية بمبادرات فردية من المديرين.
هكذا، تستغرب الخطيب عدم الوقوف عند رأي روابط الأساتذة والمعلمين «فالتشاور لا ينتقص من قيمة الوزارة والوزير، وآراؤنا ليست تعجيزية بل نابعة من خبرتنا على الأرض فنحن أم الصبي». لم تُطلع الروابط مثلاً على خطوة دمج المدارس المتعثرة، لكن «ما لمسناه في النتائج أنّ بعض القرى أفرغت من المدارس وهذا أمر مرفوض، كما لم يراع القرار إبقاء تلامذة الروضات والحلقة الأولى من التعليم الأساسي في الأحياء الداخلية».
وأعلنت الخطيب أنّ المجلس المركزي لرابطات المعلمين الرسميين بصدد الاجتماع لبحث كل هذه المستجدات التربوية وإصدار موقف بشأنها. لكن المجلس لا يزال ينتظر لقاء الوزير أولاً ومناقشته في مذكرته التربوية والمطلبية التي كان قد رفعها قبل أسبوعين.