على ذلك الرصيف، جلست أم عزيز الديراوي وأم إبراهيم زين الدين، وأمهات كثيرات يحيين يوماً يعشنه كل يوم. بان الكبر على وجوههن المتعبة من السنين ومن الدموع أيضاً التي لم تجد مصرفاً إلى الآن، في غياب ابن أو زوج أو أب. حتى اليدين فقدتا السيطرة على الصور التي باتت معروفة حتى دون أن تُذيّل بالأسماء. تلك الصور التي لم تعد وحدها المحمولة في اليد، فإلى جانبها بات هناك العكاز الذي لا مفر منه في تلك الرحلة التي طالت وتطول من دون نهاية.
وحدهنّ يعرفن معنى هذا اليوم. معنى الاستيقاظ صباحاً، على أمل أن يأتي الغائب. معنى السهر ليلاً بانتظار طرقة خفيفة على الباب ليدٍ فارقتها منذ سنوات طويلة. معنى ألا يكون هناك «فلذة كبد»، كما تقول أم إبراهيم، وألا يكون هناك «لا عزيز ولا منصور ولا إبراهيم ولا أحمد»، تضيف أم عزيز، العائدة إلى رصيفها بعد الغياب المبرر الذي فرضه المرض. عشر. عشرون. ثلاثون سنة على الاختطاف. يئس الكل، إلا هنّ المرميات على الأرصفة وفي الخيم. كلماتهنّ معروفة لا تعدّلها كثرة السنوات التي تمر: بدّي ياه. بدي شوفه. إذا ميّت بدي زور قبره. ومع ذلك، لا يفارقهنّ الأمل بأن «أطفالهن» لا يزالون على قيد الحياة، ولا يتنازلن عنه. دائماً، هناك الشعور بأنهم سيعودون يوماً إلى الديار. ولكن، «يا خوفي إن كان هالرجعة بعد ما روح، متل ما صار مع أوديت»، تقول المرأة التي لم يعد لها من العمر «أكتر مما مضى». تبوح بخوفها، وتعود لـ«عابورة» الدمع التي لا تفارق العينين المتورمتين، كما عيون الكثيرات حولها.
تدرّب بعثة الصليب الأحمر الأطباء الشرعيين تحسباً لفتح المقابر الجماعية
من جهتها، أشارت كريستين رشدان، مسؤولة قسم البحث عن المفقودين والصلات العائلية في بعثة الصليب الأحمر، إلى «أن من أولويات البعثة البحث عن المفقودين». وقد اندرج ضمن هذه الأولويات برنامج تعزيز القدرات الذي يهدف إلى التوعية ودعوة الهيئات المعنية بقضية المفقودين وأهالي المفقودين أيضاً «ليدخلوا الداتا اللازمة عن كل المفقودين في لبنان وتنظيم دورات للأطباء الشرعيين». وحول النقطة الأخيرة، أشارت رشدان إلى أنه «منذ 4 سنوات بدأت البعثة بتدريب الأطباء الشرعيين تحسباً لأي قرار بفتح المقابر الجماعية، كما طلبت من وزارة العدل إحصاءً للأطباء الشرعيين». لكنّ ثمة عائقاً في مسألة فتح المقابر «لأن فتح المقابر يحتاج إلى قرار سياسي، وما لم يكن هذا القرار، فالبعثة وحدها لا تستطيع فعل شيء». مهمة صعبة فعلاً، لكن، فلتفتح المقابر الآن وبعدها لكل حادث حديث.