في AUB، بحث أكاديميون يوم أمس في سلوكيات الشباب اللبنانيين. ثلاثة أبحاث وأرقام كثيرة فضحت سوساً ينخر في غد الشباب، و«مجده المخلَّد». ربما حان الوقت لاستبدال نشيد «الأخطل الصغير»
رنا حايك
نصف الشباب اللبنانيين يفكّرون في الهجرة. وبما أنه «بدنا نكمّل باللي بقيوا»، فمن المفيد معرفة الآتي: من بين كل ثلاثة شباب في لبنان، هنالك واحد يكنّ مشاعر سلبية لطائفة غير تلك التي ينتمي إليها. واثنان من أصل ثلاثة شباب يرفضون الزواج بشريك من طائفة مختلفة. هذه هي الخلاصة التي وصل إليها الباحث شارل حرب، الأستاذ المساعد في علم النفس الاجتماعي في الجامعة الأميركية في بيروت، بعد قيامه عام 2009 باستطلاع شمل 2100 شاب لبناني (18-25 سنة)، تناول فيه هوياتهم، قيمهم، ودرجة طائفيتهم. لم تكن تلك سوى البداية في سردية الأحوال المتردّية التي وصل إليها الشباب اللبنانيون، والتي تليت جميعها يوم أمس في جلسة واحدة مكثفة، دامت ثلاث ساعات، من خلال طاولة مستديرة نظّمها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت.
فعلى عكس الشباب في أماكن أخرى من العالم، الذين يعطون الأولوية لفرديّّتهم، خَلُص حرب إلى أن الشاب اللبناني يقدّم دائماً أسرته والهوية الوطنية و... الانتماء الطائفي. الخبر غير السار، صاحبته أخبار أخرى كثيرة في الدراسة ذاتها: 62% من الشباب يعانون البطالة. نصف العيّنة، من مختلف الطوائف (كما شدّد حرب في مداخلته، مستبعداً أن تكون الرغبة في الهجرة حكراً على طائفة معينة)، يفكرون في الهجرة. 29% فقط من الفئة المستهدفة يشجّعون الزواج المدني، إضافة إلى البعض ممن أسرّوا أنهم يوافقون على المبدأ لكنهم لن يقدموا عليه شخصياً. هكذا، بدا رقم واحد فقط من بين كل الأرقام التي تلاها حرب مبشّراً: 41% من شبابنا متعلمون (شدّد هنا أيضاً على أن الرقم عابر للطوائف). لم يلبث وهج تلك النقطة المضيئة، التي أعطت الحاضرين قبساً من أمل، أن خَفُتَ، بعد أن عرض جاد ملكي، الأستاذ المساعد في صحافة الأميركية، نتائج دراسته في «العادات الإعلامية» لدى الشباب، في ثلاثة بلدان عربية هي لبنان والأردن والإمارات العربية المتحدة (رغم اعتراض أحد الحاضرين على إدراج الإمارات لكونها ذات ثقافة غربية لا عربية). فشبابنا، مثلهم مثل مجتمعاتنا عموماً، «ماهرون للغاية» في الاستهلاك، مقلّون جداً في الإنتاج. فقد أوضحت الدراسة التي نفّذَت على 2744 طالباً (13-18 سنة) من 43 مدرسة في البلدان الثلاثة، أن «التلفزيون يظل هو الملك» بحسب تعبير ملكي، معلناً احتضار وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحافة المكتوبة. لا يعني ذلك أن الشباب لا يستخدمون وسائل الإعلام والتكنولوجيا الجديدة، إلا أنهم يستخدمونها للترفيه. فـ77% ممن استُطلعت آراؤهم لم يكتبوا يوماً في مدوّنة، رغم أن 84% منهم يلجأون إلى المواقع الاجتماعية لأغراض ترفيهية. وبينما يستخدم 55% من العيّنة الميديا لأكثر من ثلاث ساعات يومياً للترفيه، يستخدمها 10% فقط لأكثر من ساعة يومياً لاستقاء الأخبار. وبينما تهتم 43% فقط من الفئة المستهدفة بمشاهدة الأخبار العالمية على القنوات الغربية، لا تحظى الأخبار المحلية باللغة العربية سوى باهتمام 30% من الشباب. النتيجة غير مفاجئة لملكي، إذ إنه «إذا كانت أخبار صوت الشعب ترصّ تقاريرها بصيغة قال وصرّح والتقى، فماذا ننتظر من صوت الحريري أو صوت بري أو صوت عون؟ نشراتنا الإخبارية مملّة وتحتاج إلى التحديث». الشباب إذاً لا ينتجون الميديا بل يستهلكونها، وبلغة أجنبية. في منازل 56% منهم أكثر من ثلاثة أجهزة تلفاز، يتابع عليها 87% منهم الأفلام، و38% منهم الأفلام الوثائقية و21% منهم البرامج السياسية. وإمعاناً في الاستهلاك، يتناول 87% منهم طعاماً وهو يشاهد التلفاز، ما ينبّه إلى مشكلة البدانة لدى الشباب. أما القنبلة الأكبر التي فجّرها بحث ملكي، فهي رأي الشباب في فرض القيود على الإنترنت: 40% من الشباب، وليس من الحكّام هذه المرة، مع فرض المزيد من القيود!
جرت الدراستان السابقتان على شرائح متنوعة طبقياً وطائفياً ومناطقياً وجندرياً من الشباب، من دون فصل. أما الدراسة التي قدمتها مود اسطفان الهاشم، أستاذة علوم المعلومات في الجامعة اللبنانية، باسمها وباسم زميلتها الحاضرة، في جمعية «باحثات»، عالمة الاجتماع عزة بيضون، تحت عنوان «الشابة اللبنانية: مشاهدة، قارئة ومستمعة»، فقد بنيت على أساس جندري هدفه

مثل مجتمعاتنا شبابنا يستهلكون ولا ينتجون
البحث في الفروق بين الشابات والشبّان من حيث الوصول إلى المعلومة عبر وسائل الإعلام الجديدة. الدراسة التي أُنجزت بالتعاون مع معهد البحوث العلمية في الجامعة اللبنانية خلال آذار ـــــ نيسان 2010، والتي ستُنشَر في العدد 14، المقبل، من كتب «باحثات»، خَلُصَت إلى أن حظ الذّكر ليس مثل حظ الأنثيين في هذه الحالة بالذات. فبوجود الإنترنت في المنازل، أصبحت حظوظ الفئتين متساوية، إلا أن استثمارها ليس كذلك، وهو ذو أوجه مختلفة، ويختلف أحياناً بحسب الطائفة (تتمتع المسيحيات بحرية حركة أعلى من تلك التي تتمتع بها المسلمات)، وأحياناً بحسب الذائقة (الرومانسية والطرب للفتيات و«الأكشن» والموسيقى الصاخبة للفتيان). إلا أنه في المجمل، الآفة تفتك بالجميع: أكثر من 80% من الجنسين لا يقرأون أكثر من خمسة كتب في السنة. 23% من الشابات و14% من الشبان لم يقرأو كتاباً خلال عام. هل من اقتراح لنشيد جديد؟


من يطبّق ما يستخلصه الباحثون؟

بعد عرض الدراسات الثلاث، يوم أمس، خلال الطاولة المستديرة التي عقدها مركز عصام فارس في الأميركية عن وضع الشباب، احتدم النقاش: من هو المسؤول عن الإفادة من الخلاصات؟
وبينما بدا يأس الحاضرين من دور الدولة في رسم السياسات التنموية جلياً، اتفقوا جميعاً على الدور الكبير الذي تؤديه منظمات المجتمع المدني في هذا المجال، من خلال الشراكة والتنسيق بينها وبين مراكز الأبحاث