السجن المركزي مركزٌ يتبادل فيه سجناء أمراضهم. النقص في العديد والعتاد الطبي كبير، لكن المعنيين لم يستسلموا. يدفعهم أمل بفرج قريب لتحسين طبابة السجون. يعملون في ظروف صعبة وينتظرون الحل، فهل يأتي به مجلس الوزراء؟
رضوان مرتضى
هناك أمام سجن رومية. يقف رجل متوسّطاً عناصر قوى الأمن الداخلي الذين يملأون المكان. تبرز من فوق كتفه نجمتان إحداهما مكلّلة. تمثّلان رتبته العسكرية فهو برتبة مقدّم. ملامحُ وجهٍ جامدة توحي بالصرامة، لكنك لا تلبث أن تكتشف أنّك أمام رجل تُثقل كاهله مسؤولية صحّة نحو أربعة آلاف سجين وحياتهم. هو المقدم الطبيب حبيب الطقش الذي أوكلت إليه مسؤولية إدراة الشؤون الطبية في سجن رومية المركزي.
يستقبلك الطبيب الطقش ببزته العسكرية لتنتقل معه إلى الجناح الطبي في سجن الأحداث، ثم يبدأ حديثٌ مسهب عن الواقع الصحّي في سجن رومية. يقدم شرحاً مبسّطاً لـ«بيئة السجن الاجتماعية» فيشير إلى أنها فقيرة، الأمر الذي يعني أن الوضع الصحي للأشخاص الموجودين فيها حُكماً سيكون متدهوراً، ويشير إلى أن هؤلاء عندما يجتمعون سيتبادلون أمراضهم كما يتبادلون الخبرات الحياتية، «عند هذه النقطة يأتي دور الطبيب المتمثّل في الحد قدر الإمكان من هذا التبادل» يقول الطقش الذي يتحدث عن أربعة فحوصات إلزامية للداخلين حديثاً (سل، صفيرة، سفلس، أيدز). ينتقل بعدها الطبيب الطقش ليقدّم تقويماً بسيطاً للمرحلة التي مرّت خلال خدمته في سجن رومية. فقد مرّ على وجوده في مركزه ست سنوات تضاعف خلالها حجم الجناح الطبي ثلاث مرّات، ورغم ذلك لا يرى الطقش أنها كافية لكنه يؤكد حصول إنجازات أخرى خلالها، لافتاً إلى أن هناك الكثير الذي لا يزال ينتظر. يتحدّث الطبيب الطقش عن العقبات التي تقف حجر عثرة في سبيل النهوض بالطبابة الصحية للسجن، فيذكر أن «هناك الكثير من التحديات لكن الإمكانيات المتاحة لا تكاد تُذكر»، فهناك ثلاثة أطباء مناوبين، يعمل كل منهم 24 ساعة متواصلة مقابل فترة استراحة لمدة 48 ساعة. يشير الطقش إلى أنه عند منتصف الليل يكون هناك طبيب واحد مسؤول عن 4000 سجين. بالإضافة إلى الأطباء الثلاثة في «رومية» هناك ممرضان اثنان يعملان وفق الدوام الرسمي. أما في ما يتعلّق بالكادر الموجود هناك 18 عسكرياً غير مؤهلين لكنهم يعملون في الأمور الإدارية. هؤلاء يعملون في ظروف صعبة، إذ لا وجود لعناصر مؤهلين كما أن الكادر الطبي ضئيل. وفي ما يتعلّق بالأطباء المتعاقدين فإن عددهم لا يكفي، أما باقي الاختصاصيين فهم متطوّعون. كما لا ينفي الطبيب الطقش استخدام سجناء في الأمور الطبية في ما مضى رغم أنها منافية للأخلاق الطبية، لكنه يلفت إلى أن الضرورات كانت تفرض نفسها. وفي ما يتعلّق بدور الجمعيات على هذا الصعيد، يرى الطبيب الطقش أن إدخال الجمعيات كان خطأً كبيراً لأن عملها دعائي، كما أن المنافسة الموجودة بينها تنعكس سلباً على السجناء.
تنقل للطبيب الطقش شكوى سجناء كُثر من عدم نقلهم إلى المستشفى رغم حالاتهم الطارئة، لكنه يرد بإلقاء اللوم على النقص الموجود في الأسرّة التي تُقدّمها المستشفيات. فهناك أربعة مستشفيات مجهّزة فقط ترضى باستقبال السجناء المرضى لديها، هي مستشفى ضهر الباشق وبيروت والحياة ورياق. هذا النقص في المستشفيات وعدد الأسرّة الذي لا يتخطّى الثلاثين، يفرض وجود لائحة انتظار للسجناء المرضى قبل نقلهم إلى المستشفى. أما في ما يتعلّق بوفاة بعض السجناء داخل السجن بسبب عدم نقلهم إلى المستشفى، فينفي الطبيب الطقش ذلك بشدّة، لافتاً إلى قاعدة أساسية متّبعة: «المريض بموت بالمستشفى ممنوع يموت بالسجن»، مشيراً إلى أن بعض المرضى ينتظرون في الطوارئ لمدة يومين بسبب عدم وجود سرير لاستقبالهم.
تضاف إلى المشاكل المذكورة مشكلة السوق التي تُعيق نقل المريض إلى المستشفى، فعدد العناصر المكلّفين هذه المهمة لا يكفي إذا ما قيس بالمناطق الواجب نقل السجناء إليها.
هناك أيضاً مشكلة الأدوية، فهناك عدد من الأدوية غير متوافرة لأنها ليست موجودة أصلاً لدى قوى الأمن الداخلي. وفي هذا الإطار، يلفت الطبيب الطقش الى أن الأدوية الأساسية موجودة، كأدوية أمراض الضغط والقلب والسكّري والالتهابات. ويشير الطقش الى أن الأدوية المتوافرة توزّع على السجناء كلٌّ وفق حاجته. أما تلك غير المتوافرة فيحضرها أهالي السجناء، وإذا لم يتوافر ذلك يبقى السجين بلا دواء.

تعاطي حبوب الأعصاب

رغم كل ما ذُكر، يبقى أمرٌ شديد الأهمية. فحبوب الأعصاب منتشرة كثيراً داخل السجن، ولا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن سجين شطّب نفسه نتيجة تناول حبوب مخدّرة. وفي هذا السياق، يحكي سجناء عن تورّط عناصر قوى أمن في تهريب هذه الحبوب أو توزيعها عبر القيّم على صيدلية السجن. من جهته، لا ينفي الطبيب الطقش تهريب الحبوب من الخارج لكنه يلفت الى أنها ليست مسؤوليته. أما ما يُذكر عن توزيع هذه الحبوب وتهريبها من صيدلية السجن، فيشير الطقش الى أن حبوب الأعصاب (Benzexol,Revotreel) ممنوعة منذ عام 2005. ويلفت الى أنه ممنوع على السجناء أن يحوزوا أي علبة دواء، مشيراً الى أن هناك عناصر مكلّفين إعطاء كل سجين حاجته من الدواء يومياً.

عند منتصف الليل يكون في «رومية» طبيب واحد مسؤول عن 4000 سجين
يرى الطبيب الطقش أن الإجراءات المتّبعة للحد من انتشار تعاطي أدوية الأعصاب ليست كافية، فهو يرى أن الحل الأمثل للقضاء على تعاطي المخدرات بين السجناء يكون بإدخال الطب الانشغالي. ويتمثّل هذا الطب بشغل الوقت الفارغ للسجناء كي يشعروا بأنهم منتجون، ويكون ذلك بإجراء دورات رياضية للسجناء أو تعليمهم حرفاً ومهناً. ويشير الطبيب الطقش الى أنه عند هذا الحد يبدأ دور الجمعيات، قبل أن يختم حديثه بجملة قصيرة لكن معبّرة: «الحجر موجود لكننا بحاجة للبشر».
كُتب الكثير عن مأساة السجون التي تكبر يوماً بعد يوم بانتظار الانفجار أو الحلّ. فقد وصلت المأساة حدّاً لم يعد يُحتمل، إذ إن ظلام جدران السجن المغلقة ومعه حظوظ السجناء ليسا أشد ظلمة من الواقع الصحّي المرير الذي يعانيه هؤلاء. فلا يكاد يمر شهر دون أن تسمع عن وفاة سجين بعد نقله الى المستشفى. لا يُقصد بذلك اتهام بالإهمال والتقصير، فالمسؤولون يقولون إنهم يبذلون قدر المستطاع، لكن هذا المستطاع لا يكفي. فالمتطلبات كبيرة والتحديات كثيرة لكن الإمكانيات ضئيلة، لذلك تبرز الحاجة الى السير بمشروع إصلاح السجون باعتباره حبل الخلاص الذي قد يمثّل رافعة لواقع السجون المتردي ومن ضمنه الطبابة الصحيّة.
يذكر أن الطبيب حبيب الطقش حائز ماجستيرَ في الصحّة العامّة، فضلاً عن شهادة جامعية في طب العمل والطب الشرعي. كما أنه طالب دكتوراه في قيادة الصحّة العامّة ويحضّر أطروحة بعنوان تحسين طبابة السجون.


لمحة عن المركز الطبي