حتى اليوم لا تزال عمليات الضم والفرز للأراضي في بعلبك ــ الهرمل غائبة، والمتنفس الوحيد كان رخص البناء من البلديات لتلبية حاجة المنطقة المتزايدة إلى العمران، لكن وزارة الداخلية أوقفت العمل بالرخص منذ شهرين تقريباً، بانتظار انتهاء الانتخابات البلدية ومنعاً لاستخدامها كرشوة. لكن الانتخابات انتهت ولم يعلق القرار، والضغوط تكبر على المتضررين
البقاع ــ رامح حمية
«شو بدي انتظر الدولة حتى تسمحلي... صارلي أكثر من شهر ونص ناطر والمواد بالأرض، بدي صب السطح ولو نص ليل، وخليهم يوقفوني». عبارة مختصرة اختارها «أحمد»، صاحب أحد ورش البناء في البقاع، ليعبر من خلالها عن استيائه ومعاناته من استمرار قرار إيقاف رخص البناء التي يستحصل عليها المواطن من البلديات، الذي اتخذته وزارة الداخلية منذ الأول من أيار الماضي. قرار الإيقاف لم يمثّل عائقاً أمام «أحمد» وورشته فقط، بل طال كل شخص يسعى لإنجاز بناء له أو لعائلته خلال فترة الصيف، وليسدد من جهة ثانية ضربة موجعة لمعلمي نجارة الباطون في المنطقة والعمال السوريين، وأصحاب مؤسسات بيع مواد البناء.
فمنذ بداية شهر أيار، وبالتحديد قبل الانتخابات البلدية والاختيارية، صدر عن وزارة الداخلية تعميم يقضي بإيقاف العمل برخص البناء التي تمنحها البلديات للمواطنين، على أن يحدد لاحقاً تاريخ تعليق هذا التعميم. وعن السبب الذي دعا إلى إصدار التعميم، عزا مصدر أمني ذلك إلى عدم السماح لرؤساء البلديات السابقة باستغلال الفترة الباقية من ولايتهم ومنح رخص بناء للناخبين، مشيراً إلى أن الجميع تقبل القرار والتزم به بداية، على اعتبار أن المنع سينتهي مع تسلم البلديات الجديدة مهماتها، في 16 حزيران الجاري. الأمر الذي لم يحصل حتى اليوم، ما أثار حفيظة المنطقة، التي بدأت منذ أسبوع تشهد حالات تململ وامتعاض، حتى أن البعض شرع بالبناء بدون رخص وبطريقة مخالفة للقانون، ما دفع عناصر المخافر إلى قمعهم وتوجيه إنذارات لهم، وتنظيم محاضر ضبط بحق المخالفين.
الضرر من إيقاف رخص البناء، لم يقتصر على المواطنين، الذين يسارعون بدورهم إلى استغلال فترة الصيف في أعمال البناء، بل امتد الأمر ليشمل أصحاب المصالح ومعلمي البناء. حسن شداد صاحب مؤسسة لبيع مواد بناء في غرب بعلبك يعتبر أحد المتضرّرين من إيقاف العمل برخص البناء من البلديات، فقد أوضح أن ما أقدمت عليه الدولة «خرب بيوت الناس كلها، وخاصة أننا ما عدنا ضربنا ضربة من قَبل الانتخابات البلدية»، مشيراً إلى أن خسائره زادت على3 آلاف دولار أسبوعياً، لجهة المبيعات فقط، دون النظر إلى مسألة العمّال السوريين ورواتبهم التي «يتقاضونها وهم يجلسون دون أي عمل، وفي ظل عدم وجود تصريف للإنتاج سواء من حجارة اللبن أو ترابة أو بحص ورمل».
متعهدو ورش البناء اعتبروا القرار «كارثيّاً» على مصدر رزقهم الموسمي الذي ينتظرونه من عام إلى آخر، وأشار علي يعقوب إلى أن الفترة الممتدة من منتصف نيسان حتى نهاية أيلول تعتبر موسماً «لتوفير رصيد مادي لشتاء البقاع الكثير المتطلبات من مدارس وتدفئة ومونة»، موضحاً أن الضرر طال الجميع، بما في ذلك مؤسسات بيع مواد البناء وأصحاب جبّالات الباطون. وبالمقارنة مع العام الماضي، أشار يعقوب إلى أنه لم ينجز منذ بداية نيسان وحتى أول أيار تاريخ إيقاف العمل برخص البلديات، إلا ثلاثة منازل فقط، فيما أنجز في الفترة نفسها من العام الماضي 15 ورشة بناء، مشدداً على وجود ورش بناء لجأ أصحابها إلى تحدي قرار المنع وشرعوا بأعمال البناء.
أصحاب «جبالات الباطون» لم يختلف وضعهم عن وضع أصحاب المصالح المرتبطة أعمالهم بالبناء، فهم متضررون أيضاً، ويعتبرون من جهتهم أن «الموسم خلص انضرب»، كما يؤكد جهاد عبد الله صاحب جبالة، مشيراً إلى أن أكثر من ثلثي الموسم انتهى فعلياً، بالنظر إلى فترة التوقف عن منح رخص البناء من البلديات من جهة، وإلى شهر رمضان الذي بات قاب خمسة أسابيع أو أدنى من جهة ثانية، موضحاً أن العمال السوريين لا يبقى منهم إلا قلة قليلة عند قدوم الشهر. ولفت عبد الله إلى أن خسائره «كبيرة جداً»، وخاصة إذا ما قورنت الورش التي نفذت خلال العام الماضي مع ورش هذا العام التي لم تتعدَّ العشرين وبعض الأساسات، فيما كانوا يصبون أكثر من أربعين «صبة» في الشهر الواحد. أضاف أن علاقته مع العمال السوريين سنوية لجهة الاتفاق، وشهرية لجهة الدفع، فهو يستقدمهم من سوريا بداية الموسم على «حسابه»، وما دام العمل متوقفاً «فأنا أتحمل نفقاتهم بالكامل، ولا أخل معهم أبداً». وخلص عبد الله إلى أنه «أخذ ربه حصته»، وبدأ فعلياً التخطيط

تعميم إيقاف العمل برخص البناء صدر عن الداخلية... وتقول لا علاقة لي
للموسم المقبل، لأن هذا الموسم انتهى. العامل السوري عبد القادر، الذي هو هنا من أجل «موسم العمار»، أكد أنه لم يتمكن من منع نفسه من العمل في إحدى الورش «غير القانونية»، مع أنه يعي أن ذلك ينطوي على خطورة كبيرة «ويمكن دورية أمن أن توقف العمل وترحّلنا»، مدافعاً عن قراره بأنه أتى إلى لبنان من أجل العمل والعودة «بغلّة محرزة إلى عائلتي في سوريا».
عليه، وبعد المماطلة من وزارة الداخلية لجهة إمكانية تعليق قرار الإيقاف بين هذا الأسبوع أو ذاك، فإن أصحاب الورش من الأهالي قد «اتخذوا ربهم حصة لهم» من جهة، لكنهم لن يتوانوا أبداً عن خوض غمار المخالفة، والبناء سراً أو علانية، وإن اقتضت المسألة فـ«بيعرفوا كيف بيمشوها!». وقد اتصلت «الأخبار» بوزارة الداخلية والبلديات لاستطلاع الأمر فنفى مصدر فيها أن «تكون المسألة من اختصاص الوزارة»، مشيراً إلى أنها «من اختصاص التنظيم المدني». لكن، في انتظار الجواب لا بد من التذكير بأن التعميم الذي يقضي بإيقاف العمل برخص البناء التي تمنح للمواطنين من البلديات، صدر في أيار الماضي، عن وزارة الداخلية.