أطلقت الجمعيّة المسيحيّة للشابات في بيروت أمس الحملة الإعلاميّة لمشروع «المرأة والبلديات: منبر للمشاركة السياسية» تحت شعار «وإنتِ مش ناقصك شي» وذلك بالتوازي مع تخريج 20 سيدة تدرّبن خلال أربعة أشهر على مهارات تمكّنهنّ من ممارسة العمل السياسي والبلدي، نصفهنّ على الأقل سيخضنَ المعركة
مهى زراقط
السفيرة الأميركية في لبنان، ميشيل سيسون، مريضة، ما أدى إلى اختفاء صوتها. لذلك لم تستطع حضور الحفل فأرسلت ممثلة عنها. المعادلة معكوسة بالنسبة إلى وزير الداخلية زياد بارود. صوت النساء في لبنان مختفٍ في الاستحقاقات الانتخابية، وهذا يعني أن لبنان كلّه مريض.
يقول بارود هذه العبارة بالإنكليزية في مستهلّ كلمته، وتضجّ القاعة بأصوات التصفيق. بارود، الشاب الواعد كما وصفته سعدى حليمة في كلمة الشكر التي ألقتها باسم المتدرّبات، كان نجم الاحتفال أمس. هذا على الرغم من وصوله متأخراً نحو ثلثي ساعة (كان يشارك في نشاطات ذكرى الحرب الأهلية) ومغادرته قبل انتهائها. بل أكثر من ذلك، هذا على الرغم من الحشد النسائي الكثيف في القاعة التي عبقت فيها كثيراً مختلف أنواع العطور.
بارود كان النجم، وكيف لا. فهو من طالب بالكوتا النسائية. يتردد اسمه على ألسنة الجميع في مركز جمعية الشابات المسيحيات، وهو لا يخذلهنّ. يعرض بالأرقام لتدنّي نسبة المشاركة السياسية للمرأة اللبنانية، ويأسف لعدم تمرير الإصلاحات التي تضمنت الكوتا «وقد اقترحتها جندرية لحمايتها دستورياً، لكن الطعن الأول جاء على صعيد النسبة المئوية حيث انخفضت إلى 20%، والثاني عملي من خلال المداولات النيابية وإن كنت لا أزال أحتفظ بالأمل».
وفي الانتظار، لا يبدو بارود متشائماً لأن إنجازاً أساسياً تحقق برأيه وهو انتقال النقاش في موضوع الكوتا من المجتمع الأهلي إلى الحكومة التي أقرّته. لذلك يضع القوى السياسية التي تحفّظت على موضوع الكوتا «تمسكاً منها بالديموقراطية وعدم التمييز» أمام الاختبار. يقول: «سنرى كيف ستشجع القوى السياسية النساء على الترشح، وسنراقب عدد النساء في المجالس البلدية التي ستفوز بالتزكية، إضافة إلى نسبة النساء المرشحات».
عائلة غرزوزي لم تدعها إلى اجتماع انتخابي وبيلوني انسحبت
التحدي الذي يطرحه بارود على القوى السياسية تلقّفته النساء، ومنهنّ المتدرّبات العشرون اللواتي ستخوض أكثر من نصفهن المعركة الانتخابية. بل هنّ لم ينتظرن موعد الاستحقاق الانتخابي ليختبرن الانتخابات ترشيحاً وتصويتاًُ. مشاركتهنّ كمتخرّجات في حفل إطلاق الحملة الإعلامية للمشروع، استدعت منهن إجراء انتخابات لاختيار ممثلة عنهنّ تلقي كلمة باسمهنّ في اليوم الأخير لورشة العمل التي امتدت على أربعة أشهر (12 يوماً) وقد ترشحت 7 سيدات. العدد كبير إذا ذكرنا أن المتدرّبات الموجودات في القاعة كنّ 18 فقط. يمكن الحكم سلباً على هذا الأمر، لجهة غياب روح فريق العمل، لكن إذا نظرنا إلى الأمر من جهة أنه يأتي بعد 12 يوماً من التدريب على تمكين المرأة وتحفيزها لخوض غمار الانتخابات البلدية، يمكن القول إن النتيجة ممتازة. السيدات لا يخفن من المواجهة، ومستعدات لخوضها... وقبول نتيجتها؟
هنا يمكن القول إن النتيجة كانت نصف إيجابية. فقد رفضت واحدة من المرشحات نتيجة الاقتراع وأصرّت على إلقاء كلمة. وعندما رفض طلبها انسحبت من المشاركة في الحفل احتجاجاً.
هي حادثة حقيقية، لكنها ليست سلبية بالمطلق لأنها وضعت المتدرّبات وجهاً لوجه مع ما قد يواجهنه قريباً في إطار تحضيراتهنّ لخوض الانتخابات. بل هنّ بتن فعلياً على تماس مع ما هو أصعب منها. منى غرزوزي (عاريا) كانت غاضبة وتحكي بحنق عن قيام عائلتها بعقد اجتماع تحضيري للانتخابات «لم أُدعَ إليه على الرغم من أنهم يعرفون حماستي للانتخابات، وكنت قررت عدم الترشح نزولاً عند رغبتهم». غرزوزي كانت غاضبة أمس على الرغم من أنها كانت قد حسمت قرارها بعدم الترشح في حديث سابق إلى «الأخبار» التي حضرت بعض ورش العمل. تحدثت عن مشاكل تعترض ترشيحها في بلدتها: «أنا أريد الترشح على لائحة، وعائلتي تريدني على لائحة أخرى. اخترت الانسحاب لأني قد لا أنجح من دون دعم العائلة. عندما ستنجح البلدية سأشارك كمتطوعة في اللجان».
إسقاط الكوتا قلّص عدد المرشّحات وضيق الوقت خنق المتحمّسات
ندى بيلوني، التي كانت شديدة الحماسة للترشح، والتقتها «الأخبار» في أكثر من نشاط تحضيري للانتخابات، أعلنت أمس أنها لن تترشح. تعلن هذا الأمر بأسف. هي التي عادت إلى لبنان بعد 25 عاماً أمضتها في كندا. تقول غاضبة: «خاب أملنا في موضوع الإصلاحات والكوتا. أنا من بيروت، لكن القانون يجبرني على الترشح في الغبيري بلدة زوجي. مع الكوتا كان يمكن أن أحظى بفرصة، أما الآن فلا أعتقد. سيكون ترشيحي مضيعة للوقت». تقول بيلوني هذا الكلام علماً بأنها، مبدئياً، ضد الكوتا التي «تذمّنا ولا تقدّرنا، لكنها قد تكون الطريقة الوحيدة لنأخذ مكاننا في المجتمع».
سيدات أخريات حرمن من الترشح أيضاً بسبب انتقال نفوسهنّ بعد الزواج، كمادلين حلو وسنا حبيب.
نلاحظ إذاً أن التحديات التي تواجه النساء ليست مقتصرة على توفير الفرصة لهنّ من خلال الكوتا. كلّ شيء تقريباً يقف ضدهنّ، وعلى الرغم من ذلك تجد بعض المتدرّبات المصرّات على الترشح. وإذا كانت المنسحبات يشكون إسقاط «الكوتا»، فالمتحمّسات «خنقهنّ» الوقت وهنّ اللواتي عشن أجواء التأجيل.
سعدى حليمة قدمت طلب ترشيحها فعلياً عن المقعد البلدي في عاليه، «وسأحاول أن أكون على اللائحة الرئيسية في عاليه». رغبتها في العمل البلدي تنطلق من حبها للعمل العام، وخصوصاً أنها ناشطة في «اليازا» ولديها أفكار تتعلق بالسلامة العامة.
ندى حمزة كانت تنوي الترشح عن بيروت التي تعرفها جيداً، لكن انتماء زوجها إلى الغبيري جعلها تغيّر خطّتها. «أعرف أن عليّ التواصل مع القوى السياسية في المنطقة ومحاولة عقد تحالف معهم». تبقى أمامها مشكلة أساسية «اسمي لم يكن وارداً على لائحة الشطب، لقد صحّحته لكني لم أتأكد بعد من وروده. صارت الشغلة بسرعة. كنا نعمل على أساس أن الانتخابات مؤجلة».
نهى صدقة أيضاً مصرّة على الترشح في المنصف جبيل، لديها أفكارها الإنمائية، أبرزها «إعادة الحياة إلى البلدة. لا حياة فيها. حتى أولادي لا يرغبون في زيارتها. سأحاول خلق ساحة عامة لاجتماع الشباب، والمطالبة باسترداد الأملاك البحرية». كلود طعمة طرابلس (كفرحونة) التي بدأت تكتشف آراء العائلات والقوى السياسية لتحدّد موقعها، وخصوصاً أنها تطمح إلى تنفيذ أفكار إنمائية في بلدتها. أما آمال خروبي فقد خاضت الانتخابات الماضية وحصدت مع اللائحة التي ترشحت عنها 40% من أصوات ناخبي الصرفند، وهي ستعيد الكرّة مع شعورها بأن حظوظها كبيرة هذه المرة.


5 حظوظ

تتوقع المدرّبة آنا منصور ترشح أكثر من نصف السيدات المشاركات في الدورة إلى الانتخابات البلدية «وهناك حظوظ جدية تتيح فوز خمسٍ منهنّ». منصور تبدو راضية عن نتيجة التدريب، لكنها كانت تتمنى لو أن المتدرّبات أتين من المناطق لكانت النتيجة أفضل «الانتخابات في المدن الكبيرة أصعب لأن حساباتها سياسية أكثر». بدورها، مديرة مركز بيروت في الجمعية سميرة معاصري تؤكد سعادتها و«خصوصاً لجهة التزام السيدات بالحضور كلّ سبت، وهو يوم عطلتهنّ الذي يقضينه مع العائلة».
يذكر أن احتفال أمس تضمن إلى كلمة بارود، كلمات لكلّ من رئيسة الجمعية نوهاد عازوري، رئيسة لجنة مركز مساندة المرأة عايدة عبد الصمد، ممثلة السفيرة الأميركية أماندا كرايمر، كما أطلقت خلاله الحملة الإعلامية التي أعدّتها شركة mind the gap