آمال خليل
لا تظن روز حنا يوسف أن القدر نذرها للطبيعة وأزهارها منذ أن اختار والدها اسمها قبل ستة وخمسين عاماً. فالحاجة المادية هي التي دفعت بها لاعتماد زراعة الأزهار وصناعة مقطراتها التي ورثتها عن والدتها. ثمانية وثلاثون عاماً من عمرها، زرعتها روز بين الأزهار، زراعة وقطفاً وتصنيعاً، وخصوصاً أنها من القلائل الذين صمدوا أمام التطور الصناعي والتزموا الطرق التقليدية البلدية في صناعة المقطرات والمربيات، فيما أقلعت عشرات السيدات من بنات بلدتها عن هذه الصناعة، في ظل وجود بدائل أقل تعباً مثل مصنع ماء الزهر الآلي في بلدة مغدوشة.
قسمت روز تاريخها وفق روزنامة المواسم. فرأس سنتها يبدأ في شهر تشرين عند بذر الزهر في الخيم البلاستيكية أو غرس شتول الورد الجوري أو الزنبق الطرابلسي (مار جريس) وغيرها من الشتول الخارجية. وحتى نضوجها بدءاً من أول آذار، تتفقد روز أطفالها مرتين يومياً على الأقل. أما ذروة سعادتها، فتكتمل بحلول فصل الربيع، حين تقطف أزهارها في عيد الأم وتوضبها في رزم وتبيعها. بالتزامن مع موسم قطاف زهور الخيم، تتوجه روز بين شباط وآذار إلى بساتين البلدة وجوارها لجمع زهر الليمون (البوصفير) لصناعة ماء الزهر. تختار الزهر النقي والصالح وتنقعه بالماء في وعاء نحاسي دائري يسمى (الكركة) حتى يتقطر، ثم تضعه على النار حتى يغلي لمدة خمس ساعات. تنتج من كل كيلوغرامين من الزهر مقدار قنينة واحدة. في نيسان، يحين قطاف الورد الجوري ذي الأزرار المكدسة والصغيرة من حدائق البلدة التي لا ترش بالمبيدات. وبالطريقة ذاتها، تصنع روز منها ماء الورد. بالتزامن، تقطف من حديقتها الخاصة، زهر شتلة العطر وأغصانها لتصنع مقطر العطر الذي يستخدم منكّهاً لأطباق الحلويات.
أما تموز وآب، فهما مخصّصان لجمع أعشاب الصعتر العريض والدقة والشومر والعيزقان والزوفا. وبالكركة ذاتها، وبعد تنقية الأعشاب وتنظيفها بالماء، تقطرها وتغليها لساعات كل على حدة أو مخلوطة لاشتقاق مقطراتها التي تصفها لمداواة بعض الأمراض. هكذا، يتّسع شهر آب عند روز لجمع البندورة وتجهيزها لصناعة الشراب بعد تنظيفها وتقشيرها وفركها ثم تجفيفها وغليها بالماء. لكنها تترك لأيلول صناعة مربى العنب واليقطين ودبس الخروب.
أكثر ما يفرح روز هو عودة الناس إلى الطبيعة والمأكولات العضوية، ليس من زاوية استفادتها المادية «فالسعر رخيص في مقابل تعب صنعها»، بل من قبيل عودتهم إلى الأصالة. تؤكد السيدة أن الجهد المبذول في التنقل بين البساتين والحدائق لاختيار الزهر والأعشاب المناسب ثم تنظيفها ونقعها وغليها وتوضيبها في قنان زجاجية خاصة «لا يضاهيه سوى الصحة اللي عم منرجعها للناس».