لم تنتهِ فصول تخزين المتفجرات في قرية جنوبية. فالتاجر المعني لم ينل ترخيصاً بعد، فيما يتهمه بعض الأهالي بمباشرة التخزين
حسن عليق
نهاية الصيف الماضي، رفع أهالي بلدتي عربصاليم وجرجوع (في منطقة إقليم التفاح الجنوبية) صوتهم عالياً. فمختار البلدة الأولى مصطفى موسى، بنى مستودعات في أحد العقارات التابعة لمنطقة جرجوع العقارية، بهدف تخزين مواد متفجرة فيها، علماً بأنه أحد أبرز حاملي تراخيص الاتجار بالمواد المتفجرة في لبنان. حينذاك، وقّّع أصحاب العقارات المحيطة بالمستودعات عريضة رفعوها إلى وزارة الدفاع الوطني، طالبين منع موسى من تخزين المتفجرات في منطقة قالوا إنها مصنّفة ضمن مناطق الاصطياف. كذلك رفعوا عريضة مماثلة إلى وزارة الداخلية، فتخزين مواد متفجرة يحتاج إلى ترخيص من وزارة الداخلية، بعد موافقة وزارة الدفاع. تمكّن موسى من الحصول على موافقة الأخيرة، بعدما كشف خبراء من الجيش على المستودعات، ورأوا أنها مستوفية المعايير القانونية. أمّا وزارة الداخلية، فلم تمنحه ترخيصاً بعد. قبل ذلك، كان موسى قد حصل على تصريح من المجلس البلدي في جرجوع لإقامة مستودعات تحت مستوى الأرض. بحسب رئيس البلدية، محمد مقلّد، فإن موسى أقام المستودعات من دون علم البلدية، «فاستدعيناه لتحصيل الرسوم البلدية المستحقة عليه، وعلى هذا الأساس منحناه التصريح اللاحق، مشروطاً بالحصول على موافقة وزارة الدفاع». لاحقاً، بعد الاعتراض الواسع لأهالي بلدتي جرجوع وعربصاليم، عاد المجلس البلدي وسحب التصريح من موسى. ولفت رئيس بلدية جرجوع إلى أنه بعث بكتاب إلى وزير الداخلية يدعوه فيه إلى عدم منح موسى أيّ ترخيص.
القضية لم تقف عند هذا الحد، إذ أكّد عدد من أهالي البلدتين لـ«الأخبار» أنّ موسى بدأ فعلاً بتخزين مواد متفجرة في المستودعات، رغم عدم نيله الترخيص اللازم. واتهم هؤلاء فصيلة الدرك في جباع بالتواطؤ مع موسى، وعدم تحريك ساكن تجاه التخزين. في المقابل، نفى موسى في اتصال مع «الأخبار» أن يكون قد خزّن أيّ مواد متفجرة في مستودعاته، داعياً السلطات المختصة إلى إجراء كشف للتحقّق من صحّة أقواله.
أما آخر فصول القضية، فيتمثّل في أن جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، التي تُعقد اليوم، يتضمن طلب قبول هبة مقدّمة من موسى إلى وزارة الدفاع الوطني ـــــ قيادة الجيش، هي عبارة عن خمسة آلاف «صاعق كهربائي تأخيري» تقدّر قيمتها بنحو 41 مليون

قدّم صاحب المواد المتفجرة هبة إلى وزارة الدفاع هي كناية عن 5 آلاف صاعق

ليرة لبنانية. وبحسب إحالة وزير الدفاع الياس المر (رقم 1274/غ ع/و، تاريخ 12/4/2010)، فإن «الجيش بحاجة إلى هذه الصواعق». وزارة الدفاع، رغم علمها بحاجة الجيش إلى هذه الصواعق، فإنها لم تبادر إلى توفير المال اللازم لشرائها، بل انتظرت أن يقدمها مواطن لبناني هبة. بغضّ النظر عن هذه النقطة، فإن قبول الهبة، بحسب قانونيين مطّلعين، بحاجة إلى التدقيق، «إذ إنّ مقدّم الهبة صاحب مصلحة. وبالتالي، فإن القاعدة القانونية العامة تمنع قبولها، بغضّ النظر عن حسن نية من يحتاج إليها».
أما موسى، فأكد لـ«الأخبار» أنه قدّم الهبة بدافع الحرص على المؤسسة العسكرية، وأنه كان قد قدّم هبات مماثلة سابقاً، وقبل أن يطرأ اعتراض أهالي جرجوع على مستودعاته الجديدة. لفت أحد الوزراء المعنيّين إلى أن مجلس الوزراء يتعامل مع الهبات بصورة روتينية، من دون كثير تدقيق فيها، وخاصةً بعد ورود المعاملات اللازمة لها من الإدارة المختصة. يضيف الوزير «أمّا هذه الهبة، فهي بحاجة إلى المراجعة. فهل هي هبة من قبيل المجاملة التي تخفي رغبة في الحصول على منافع مقابلة، أم أنها كغيرها من الهبات؟». لا يعطي الوزير جواباً شافياً، والأمر مرهون بيد مجلس الوزراء اليوم. لكن التعويل عليه أمر صعب، إذ إن بعض الهبات كانت تضمر شروطاً لا تزال عرضة لاختلاف الآراء القانونية والدستورية بشأنها. رغم ذلك، فإنها مرت في مجلس الوزراء من دون أن يبدي أصحاب المعالي أي اعتراض عليها.