ينهي مؤتمر تكافل الثاني «معاً نحو طفولة آمنة» أعماله اليوم في بيروت حيث من المتوقع أن يُقر المؤتمرون مشروع شبكة عالمية لحماية وتنمية الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال. إلى ذلك، يعيش الأطفال «الغزاويون» الحصار وصراعاً نفسياً لا ينتهي
فاتن الحاج
أمس، ماتت آيات أنور عن 8 أشهر، بسبب منعها من السفر للعلاج ونقص الدواء في مستشفيات غزة. الطفلة الفلسطينية، التي يصحّ القول إنها قتلت ولم تمت، عانت منذ ولادتها من تشوّهات في القلب كان من الممكن علاجها، لو أتيح لها السفر، أو على الأقل لو توافرت الإمكانيات في القطاع. وقبل آيات، «قتل» حصار الإسرائيليين عشرات الأطفال للسبب نفسه، إذ لم تستطع أجسادهم الرقيقة صبراً على آلامها، فخمدت أنفاسهم بين ضلوعهم الصغيرة.
«حضرت» د. ليلى قشطة، الباحثة في وكالة الغوث الدولية، من خلال حكايات هؤلاء مع الحصار الإسرائيلي المستمر منذ حزيران 2007، «الأطول في التاريخ المعاصر»، كما وصفته في ورقة عمل وصلت من دونها إلى بيروت، بعد منع الباحثة من السفر للمشاركة في مؤتمر تكافل الثاني «معاً نحو طفولة آمنة»، الذي ينهي أعماله اليوم، في فندق البريستول. قشطة لم تستطع أيضاً أن تخاطب المشاركين في المؤتمر من وراء الشاشة، فالكهرباء مقطوعة في غزة.
الغزّاويون محرومون من فرحة عبارة «وقف إطلاق النار»
هكذا، عرض د. صالح فهد، من مكتب وكالة الأونروا في بيروت، نيابة عن قشطة ورقتها عن «تداعيات الحصار على الأوضاع الصحية لأطفال غزة». في مستشفى الأطفال في غزة، يقول فهد، لا يمكنك أن ترى سريراً فارغاً من طفل يئن وجعاً، ويستجدي من ينقذه من ألم الحصار وظلم الاحتلال. هناك تتراوح حالات المرضى الأطفال بين بسيطة وخطرة وأخرى على حافة الموت. هم 400 طفل مصاب بأمراض الدم والأورام السرطانية ينتظرون على قائمة الموت بفعل الإغلاق وحرمانهم من السفر لتلقّي العلاج.
يضيف: «العشرات رقدوا في ظلمة القبور ولا تزال القائمة مفتوحة على المزيد، وخصوصاً في ظل منع دخول المستلزمات الطبية والعلاجات والغذاء الصحي اللازم. كذلك، فإن تناول الأدوية والعقاقير الكيماوية في غير مواعيدها المحددة، وفق خطة العلاج الكيماوي، تؤثر على المريض لجهة إمكان الشفاء، إضافة إلى تزايد فرص الانتكاسة وتجدد معاناة المرض مضاعفة ».
كذلك سجّل نظام الرصد الوبائي، الذي تديره وكالة الأونروا ويغطي كل سكان غزة، زيادة في انتشار الإسهالات الحادة بشقّيها المائي والالتهابي والتهاب الكبد الفيروسي. أما السبب الرئيس لانتشار هذه الأمراض فهو تلوّث المياه الجوفية ومياه الشرب والتصريف غير السليم للنفايات الصلبة والسائلة.
ومع أنّ إحدى أوراق العمل تناولت المشكلات النفسية والاجتماعية للأطفال تحت الاحتلال في كل مكان، فإنّ كل الكلام تركز على غزة. لماذا غزة تحديداً؟ تشرح د. داليا الشيمي، المساندة النفسية في مركز «عين على بكرة» في مصر، خصوصية القطاع لجهة كونه موقع حرب دائمة في الممارسات الحياتية اليومية. فالعدوان عليهم ليس حرباً تنقضي، في وقت المواطنون محرومون فيه من عبارة «وقف إطلاق النار»، بل هم في صراع نفسي لا ينتهي، نظراً إلى وجود العدو على أراضيهم. من هنا يعثر المرء على مشكلات قد لا يجدها في مكان آخر، مثل اضطرابات النطق، التلعثم، مشكلات في التنفس، الفزع الليلي، فقدان الشهية، الميل إلى العزلة.
لكن بدا لافتاً ما تحدثت عنه الشيمي من أخطاء يقع فيها من يتعاملون مع أطفال غزة على أنّهم أبطال، ولا بد أن يتحمّلوا، وبالتالي لا يسمحون لهم بالتعبير.
كذلك، تحشد المنظمات والجمعيات قواها فور بداية الحرب أو الاعتداء، ثم ينتهي الأمر من دون متابعة، وهو ما يؤثر على نفسية الطفل الذي يجد نفسه مجبراً على أن يعود إلى الحياة من دون أن يجد من يساعده.
وتحذّر الشيمي من محاولة الأسرة خلع حالتها النفسية على الطفل، بحجة أنه يجب أن يكون مسؤولاً ويكبر، ما يحرمه طفولته، ويكبّره قبل أوانه.
وتتوقف عند المبالغة في تقديم الأطفال لوسائل الإعلام، فتروي قصة طفلة في الخامسة من عمرها تدفعها أمها دفعاً للتحدث أمام الكاميرا، من دون أن تراعي الحالة التي تعاني منها طفلتها من تكرار هذا الحديث. وعندما تحدثت الشيمي، خلال الجلسة النفسية، إلى الطفلة، قالت لها «في كل مرة أتحدث عن مشكلتي بتضايق وبحب أبكي، لكن أمي تقول لا نبكي، ما يبكي غير الظالم».