57 سائقاً لبنانياً محتجزون منذ 21 يوماً في قاعدة عسكرية عراقية، بعد توقيف السلطات العراقية لجميع الشاحنات المحمّلة بأسمنت شركة «السبع»، التي وجد أحد أكياسها في شاحنة فجّرها انتحاري
إيلي حنا
في الخامس من الشهر الحالي، أوصت زبيدة زوجها محمد البوبلي بعدم شراء أي هدايا للبيت أو حتى ألعاب لأحد من أولادها السبعة، «عملية أذني في 4 أيار وبدنا كل المصاري»، قالت له. اليوم، بعد 21 يوماً من ذهابه، فقدت زبيدة الأمل بعودة زوجها في الموعد المضروب من المستشفى، لتجد نفسها تدقّ أبواب السياسيين طلباً للمساعدة في كلفة استشفائها. والبوبلي هو واحد من 57 سائقاً لبنانياً محتجزاً داخل قاعدة عسكرية في العراق منذ 21 يوماً، على خلفية توقيف الشاحنات المحمّلة مواد الأسمنت التابعة لشركة «السبع» اللبنانية، بعدما ظهرت أكياس تابعة للشركة في شاحنة انتحاري فجّر نفسه في 6 الجاري. لكنّ المحتجزين لا يعرفون لما هم كذلك. يقول السائق بلال سلمى: «لا نعرف لماذا نحن موقوفون، لا يقولون لنا شيئاً في الثكنة. أكيد نحن بريئون، ادعوا لنا». هذا ما يردده في كل اتصال مع زوجته فاديا المتأكّدة من تدهور صحة زوجها بعدما حسبت أنه استهلك علبة دواء الضغط التي يحملها معه أينما اتجه. منذ نحو 10 أيام، استشعر بلال «قرب الفرج» بعد إنزال الأمن العراقي لأكياس الأسمنت لتحليلها، «على أساس أن النتيجة السلبيّة للتحليل ستؤدي إلى استعادة حريتهم». وصول الخبر إلى قرية المحمّرة جعل الأقارب «يعدّون الطبل والألعاب النارية»، لكن لا نتيجة، تضيف فاديا. تحوّل منزل سلمى إلى محجّة، لكون بلال الوحيد الذي يستطيع استخدام هاتفه، وبالتالي تستطيع، مثلاً، أم علي والدة يحيي عبد الواحد، الاطمئنان إلى أحوال ابنها والاستفسار عن القضية، فيما تندب والدة حذيفة المقداد حظّها نادمة لكون ابنها الوحيد (26 سنة) لم يحصل على شهادة الثانوية العامة بدلاً من مهنته هذه. «كان لازم يتوظّف، الشحن همّ ورعب وفزع»، تقول السيدة التي اختار ابنها هذه المهنة لإعالتها وأخته. تصف أم حذيفة حالة الجوع والإرهاق التي تعصف بابنها «لكونه لا يستطيع أن يأكل من الوجبات المخصصة أصلاً للجيش في القاعدة»، فيعمل على بلّ الخبز الناشف ومضغه. أما حالة محمد البوبلي الذي يعاني من قرحة في معدته والتهابات في أسنانه جعلت أحد أقاربه، من باب المزاح، يقول لوالدة حذيفة: «ابنك مشحِم بيرجع وزنه 50 كلغ، بس محمد (البوبلي) إن شاء الله يرجع خيال».
أمين المقداد هو الآخر في مشكلة. فقد ترك مع ثمانية سائقين شاحناتهم على الحدود اللبنانية السورية بعدما بلغهم احتجاز زملائهم في العراق. كان أمين يلاحق ابن عمّه لعلّهما يعودان معاً. اليوم هو «ناطر الفرج»، فلا يستطيع البقاء في شاحنته لما في ذلك من مشقّة، ويفضّل بقاءها على الحدود لتوفير كلفة النقل. أما العالقون على الحدود السورية العراقية المعروفة باسم «الوليد»، ففضّلوا المكوث في شاحناتهم خوفاً من تعرّضهم للسرقة.
يعمل أحمد سلمى، مختار بلدة المحمّرة، جاهداً لإيصال القضية إلى سياسيي المنطقة وفعالياتها: «منهم من وعدني بمؤتمر صحافي أو بإثارة القضية على أعلى المستويات، والبعض خطوطه مقفلة. حتى الآن لا تندهي ما في حدا»، يروي سلمى. يحاول المختار تهدئة بعض أهالي المحتجزين الذين يفكّرون في حرق الدواليب وقطع الطريق الدولية أملاً بحلّ سريع عبر السلطات المعنية. «أول الاحتجاجات سيكون عبر تحرّك أمام السفارة العراقية». وقد اجتمع وفد من أصحاب الشاحنات البارحة مع السفير العراقي في بيروت، ونقل إليهم توجّه دولته لإطلاق سراح بعض الموقوفين خلال 48 ساعة. أما الباقون، فيتطلّب وضعهم «دراسة» لبعض الوقت لدواع لم يذكرها. ونقل أحد المجتمعين عن السفير دعوة وزارة الدفاع العراقية للتجار العراقيين المعنيين إلى الاجتماع اليوم في الرمادي لتوقيع تعهّد بأنهم مسؤولون عن البضاعة التي يستوردونها. ورأى بعض المتابعين أن هذه الدعوة تحمل في طيّاتها قراراً بانتزاع «تعهد» بإيقاف التعامل مع شركة «السبع» اللبنانية بعد ما جرى تداوله إعلامياً من أن «جهة عراقية متورّطة في الإرهاب»، هي شريكة للشركة اللبنانية. وكانت الشركة قد صرّحت عبر مديرها القانوني بأنها تلتزم الصمت احتراماً للحكومتين اللبنانية والعراقية، وأنها أودعتهما التفاصيل».