بعد انتفاضة أساتذة الثانوي لاستعادة موقعهم الوظيفي، تنفذ رابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، اليوم، إضراباً تحذيرياً «إصلاحياً». لكن ثمة مَن يخشى أن تدجَّن القوى المؤتلفة في الرابطة، فتكتفي بالتحذير ولا تواجه السلطة
فاتن الحاج
لا أحد يعرف كيف تسير شؤون الجامعة اللبنانية في السنوات الأخيرة. ربما يحصل ذلك بفضل العناية الإلهية، وربما كانت أقدامها لا تزال على الأرض «بحكم الجاذبية»، لكن الأمر لا يحدث ـــــ بالتأكيد ـــــ بقوة القانون، وإلّا فما الذي يفسر أن تبقى أكبر مؤسسة جامعية في لبنان 5 سنوات من دون مجلس جامعة؟ هذا المجلس قوامه عمداء أصيلون وممثلو أساتذة، ومن المفروض أنه هو الذي يدير شؤونها الأكاديمية والإدارية والمالية، فكيف تمشي الأمور بدونه؟
وتعيين العمداء أصبح مطلباً. تصوروا. وهو يأتي في مقدمة مطالب الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، التي تنفذ إضراباً تحذيرياً، اليوم، يشارك فيه نحو 3 آلاف أستاذ في الملاك والتفرغ والتعاقد، حسب المنظمين.
في المبدأ، يكاد أهل الجامعة يجمعون على أنه لا تطور لمؤسستهم بمعزل عن استقلالية يوفرها مجلس عمداء يرسم سياستها العامة. تماماً كما يرسم مجلس الوزراء سياسة الدولة. ومعظم هؤلاء متفقون أيضاً على أنّ ربط تعيين العمداء بالتعيينات الإدارية الأخرى مرفوض بالمطلق، فالجامعة هي مؤسسة مستقلة إدارياً ومالياً عن مؤسسات الدولة مع أنها تتبع لها. لكن أساتذة «واقعيين» يعلمون أن الجامعة ليست أبداً في أولويات السلطة السياسية، يتشككون في أن يحدث تعيين 19 عميداً دفعة واحدة في المدى القريب، رغم صدور معظم الترشيحات عن مجالس الكليات التي، في ما يبدو، ستنتظر طويلاً لتأخذ مجراها الطبيعي إلى وزير التربية ومن ثم إلى مجلس الوزراء لإقرارها.
وفي الانتظار، هل يحق لرئيس الجامعة ووزير الوصاية أن يحلّا مكان مجلس الجامعة في كل القضايا؟ يقول د. وسيم حجازي، عضو التجمع الوطني لأساتذة اللبنانية، إنّ هذا ما يحصل عرفاً، لكن القانون لا ينص على ذلك، ويقوم الرئيس والوزير بهذا الدور فقط لتسيير أمور الجامعة بغياب مجلسها، المفترض أن يكون قصيراً. والأساتذة، بحسب حجازي، مستاؤون لتغييب القانون، وخصوصاً «أنّ رابطتهم تبدو غير جادة في المطالبة بحقوقهم». ويسأل: «ماذا بعد التحذير؟ هل الرابطة مستعدة بتركيبتها الحالية لمواجهة السلطة السياسية لكونها تضم كل القوى في هذه السلطة، أم أنّها تتحرك من باب رفع العتب؟».
عضو الهيئة التنفيذية للرابطة، د. شربل كفوري، يؤكد «أنّ تحركنا إصلاحي بامتياز، فما نطالب به هو عودة الديموقراطية من خلال المجالس الأكاديمية إلى الجامعة قبل المطالب المادية، وإن كان من حقنا زيادة الرواتب لتعزيز الوضع الوظيفي للأستاذ الجامعي وخصوصيته التي أقر بها الرئيس الراحل رفيق الحريري». ويقول: «الرابطة جادة و«مش عم تمزح» وتنتظر مفاوضة المسؤولين بعد الإضراب».
ربط تعيين العمداء بالتعيينات الإدارية مرفوض بالمطلق
ومع أنّ كفوري ليس متفائلاً بتعيين العمداء قريباً، فإنه يطالب باستكمال الترشيحات في الكليات الباقية وبأن يأخذ التعيين مجراه الطبيعي لإنقاذ جامعة تعيش «بحكم الجاذبية».
«الجامعة تموت ورئيسها يمشي في جنازتها»، هكذا يختصر د. عصام خليفة، رئيس تجمع الأساتذة الديموقراطيين المستقلين، الوضع الذي وصلت إليه الجامعة اللبنانية. فرئيس الجامعة «لا يريد مجلس جامعة حتى يستفرد بالقرار لإمرار المحاصصات للقوى المتنوعة»، كما يقول.
يشرح خليفة ماذا يعني أن تكون الجامعة بلا عمداء ومجلس جامعة، فمن مهمات المجلس وضع النظام الداخلي للجامعة، إبداء الرأي في مشروع نظام الجامعة المالي، ترشيح أفراد الهيئة التعليمية وسائر أفراد الملاك الفني، الموافقة على المناهج، تقرير التعاقد مع الذين ترشحهم الكليات للعمل في مختلف النشاطات الجامعية، دراسة مشروع الموازنة السنوية، الإشراف على إدارة أملاك الجامعة، قبول التبرعات... إلخ.
يستدرك: «رئيس الجامعة ليس وحده المسؤول عن الوضع، هناك أيضاً وزير الوصاية وسياسات حكومات وعدتنا الكثير ولم تحقق شيئاً». ويسأل: «ماذا عن وعد الوزير بدخول المتفرغين الجدد في الملاك في 29 شباط الماضي؟». لم يفقد خليفة الأمل من التفاوض بشأن احتساب المعاش التقاعدي، لكنّه يؤكد أنّ «القسمة على 30 بدلاً من 40 وتمديد سن الخدمة إلى 68 سنة مشروعان متلازمان ونريد الاثنين معاً».
وينتقد كفوري وخليفة بدعة تعيين عمداء لمعاهد الدكتوراه، فهؤلاء يجب أن يكونوا مسؤولين مرتبطين بكلياتهم، علماً بأنّ تنصيبهم عمداء أدى إلى تضارب الصلاحيات مع عمداء الكليات التابعة لهذه المعاهد وعرقلة البحث العلمي.
يبدو د. نزيه خياط، مسؤول المكتب المركزي لقطاع التربية والتعليم في تيار المستقبل، هو الآخر مقتنعاً بأنّ رئيس الجامعة وحده لا يستطيع أن يدير 20 كلية و52 فرعاً، فمجلس الجامعة هو الناظم الأساسي للجانب الإداري والأكاديمي. ويسجل خياط بعض الملاحظات بشأن التعاميم التي لحظت تنظيم آلية انتخاب المرشحين وتسميتهم للعمادة لجهة إدارة العميد المرشح للجلسة، ما يلغي تكافؤ الفرص بين المرشحين، إذ إنه كان من الأجدى عقد جلسات الانتخاب في الإدارة المركزية تحت إشراف رئيس الجامعة أو أمين السر العام فيها. كذلك لم تصدر، بحسب خياط، لائحة اسمية بالمرشحين المستوفين الشروط مصدقة من رئاسة الجامعة، تأكيداً لصحة الترشيح وفق الأصول ومضمون القانون. ومع ذلك فخطوة الترشيحات من مجالس الكليات تعد، في رأيه، بداية لانطلاق العملية الإصلاحية على مستوى آلية العمل الإداري والأكاديمي على مستوى الفروع. لكن خياط يرفض كل محاولة لربط تعيين العمداء بسلة التعيينات الإدارية، ولا مبرر للتأخير ما دامت التوازنات الطائفية قد روعيت في الترشيحات. وعلمت «الأخبار» أنّ العمداء الـ19 موزعون على الطوائف كالآتي: (10 مسيحيين: 5 موارنة، 3 أرثوذكس، 2 كاثوليك) و9 مسلمين (4 شيعة، 4 سنة، ودرزي واحد).
ورغم ذلك، يرى خياط أنّ الكليات ليست وكالات حصرية للطوائف، ومطلوب تطبيق مبدأ المداورة.
المداورة لا يرفضها د. حسن زين الدين، مسؤول المكتب التربوي المركزي في حركة أمل. ويتمنى أن تجري التعيينات ضمن الخيارات التي وضعتها الهيئة التعليمية، فتكون الكفاءة هي المعيار لا طائفة العميد. لكنّه لا يخفي صعوبة إنجاز التعيين المرتبط، برأيه، بالجو السياسي العام، «والدولة في واقعها الحالي أعجز من أن تعيّن 19 عميداً دفعة واحدة بالقياس مع قطاعات أخرى قد تكون أكثر أهمية بالنسبة إليها من الجامعة اللبنانية»، كما يقول.
أما د. عبد الله زيعور، مسؤول هيئة التعليم العالي في حزب الله، فيرفع الصوت لتغيير جوهر قانون المجالس التمثيلية، منتقداً آلية الانتخاب لجهة حرمان أستاذ مضى على وجوده في الجامعة سنوات، من الاقتراع والمشاركة في اختيار العمداء، سواء أكان متعاقداً أم متفرغاً أم في الملاك. ولا ينقذ الجامعة، بحسب زيعور، من غرقها في الحسابات السياسية سوى قانون يُعده مجلس الجامعة يحفظ هويتها واستقلاليتها، و«ما نقاش مشروع قانون جديد للجامعة في وزارة التربية سوى عصف أفكار لا نتوقع منه نتائج ملموسة».


قسمة على 35 أو تمديد لـ68

نفى وزير التربية د. حسن منيمنة، في اتصال مع «الأخبار» أن يكون تعيين العمداء مرتبطاً بالتعيينات الإدارية الأخرى. وأشار إلى «أننا نسير في تطبيق آلية التعيين وفق القانون، إذ رشّحت كل كلية 5 أسماء رفعت إلى رئيس الجامعة الذي يختار منها ثلاثة أسماء قبل أن يرفعها إلى وزير التربية ليختار منها واحداً ويرفعه إلى مجلس الوزراء من دون أي عرقلة». وبالنسبة إلى المطالب الأخرى، أكد منيمنة أنّها مستقلة عن ملف تعيين العمداء، ما عدا دخول الأساتذة المتعاقدين إلى التفرغ، فهذا الملف يحتاج إلى موافقة عمداء أصيلين. وعن دخول الأساتذة المتفرغين إلى ملاك الجامعة، أوضح الوزير أنّه سيتسلم هذين اليومين من رئيس الجامعة ملفات الأساتذة، بعد استكمال النواقص. كذلك، إنّ دراسة قانون جديد للجامعة ستعالج، بحسب منيمنة، اللغط الحاصل بشأن معاهد الدكتوراه وتضارب الصلاحيات مع الكليات. وفي احتساب المعاش التقاعدي، رفع منيمنة إلى مجلس الوزراء، مشروع القسمة على 35 وسيُختار أحد الخيارين: إما هذا المشروع، وإما تمديد سن الخدمة إلى 68.