البقاع ــ أسامة القادري«بخلّي النربيش يحكي على إيدينا». هكذا يفاجئ وليد (11 عاماً) والده وهو يتحدث عن مدير مدرسته المجانية في البقاع بكلام أكبر من عمره. يسأل التلميذ أباه عن الجهة المعنية للشكوى على المدير، وخصوصاً أنّ «النربيش» كما يصفه «قوي كتير ولا ينكسر مثل المسطرة».
يحتار الوالد ماذا يجيب ابنه فيكتفي بالقول: «أكيد أنت ورفاقك غلطانين وبتستاهلوا الضرب». هنا يتحمس الفتى للدفاع عن نفسه، محاولاً تمثيل مشهد المدير وهو يمسك «نربيشه»، استعداداً للضرب «من كل عزمو بيضرب حتى تفقفل ايدين التلميذ على شي ما إلو علاقة بالدرس».

النظار عنّا متل الباديكردية ناقصهم عصي الكهربا بدل العصي المبرومة

لا تختلف حال وسام (14 سنة) الذي يدرس في متوسطة رسمية، سوى أن ناظر مدرسته يستخدم أداة تأديبية أخرى. يبالغ وسام في وصف «الطبشة»، وهي عصا مسطحة يمتد عرضها على ثلاثة أصابع. يقول: «ما في متلو الناظر لما بيكون عم ينكت معنا... بس لما حدا بيغلط بشي، ما بنحس كيف بيسحب الطبشة من كمو ليهددنا فيها».
والمفارقة أنّ علي (12 سنة)، طالب في متوسطة رسمية في البقاع الغربي لا يعترض على لجوء الإدارة إلى ضربه إذا تقاعس في أداء فروضه، لكنّه يبدي انزعاجه من تهكم أستاذ مادة اللغة الإنكليزية منه أمام زملائه لدى ارتكابه خطأً ما، كقوله مثلاً: «دماغك بحاجة لزيت فرام حتى يفك الصدي عنه». هنا يبتسم علي ابتسامة صفراء قبل أن يتابع: «مش معقول، أحياناً بيكبر براسنا إنو نرد عليه ولو بدو يكلفنا هالشي الطرد من المدرسة».
على صعيد آخر، لم يستطع زياد (12 سنة) أن يقنع والديه بنقله من مدرسته الخاصة في منطقة راشيا الوادي إلى مدرسة أخرى، رغم كل الحجج التي قدمها لهما لجهة معاملة النظار للتلامذة في الملعب كحراس وليس كمربين. يقول: «النظار عنا متل الباديكردية، ناقصهم عصي الكهربا بدل العصي المبرومة!».
لكن، ماذا عن المعاملة مع الإناث في تلك المدارس التي لا تزال إداراتها ومدرسوها مقتنعين، بأنّ «العصا» تأتي بنفع للطالب اليوم؟

الضرب يحصل حين يكون مجلس الأهل غائباً أو غير ناشط
«أشعر بأنني في سجن»، تقول زينة (11 سنة) التي تخاف من أن تسبب لها تصرفاتها «البهدلة» على يد مدرسها، فهي تأبى كلماته اللاذعة، «ما بعرف شو بدّو، صحيح إنو ما بيضرب بس كلماته أصعب من الضرب!».
تفاجئ هذه الشهادات الناظر في إحدى المدارس الرسمية، فيسأل: «معقول؟ زمن العصا ولّى منذ سنوات طويلة». لكن الناظر لا ينكر أنه يصرخ أحياناً في وجه الطلاب على خلفية أن «الطالب ما فيك تعطيه ريق حلو».
ويؤكد أحد المفتشين التربويين في القطاع الرسمي أنّ استعمال العنف محظور في المدارس الرسمية، مطالباً الأهالي بعدم التردد في تقديم شكوى ضد المدير، إذا تأكدوا من حالات الضرب. ويلفت المفتش إلى أنّ الضرب يحصل في المدارس التي يكون فيها مجلس الأهل إما غائباً أو غير ناشط. وعن حقوق التلامذة في المدارس الخاصة، قال: «التفتيش التربوي غير معني بالمدارس الخاصة، وفي حال وجود مثل هذه حالات يستطيع الأهالي التقدم بشكوى إلى الإدارات، وإن لم ينفع ذلك فبإمكانهم رفع دعوى عبر محام».


العنف العكسي

يتحدث أحمد يوسف، مدير مركز «بان» للاستشارات النفسية وتدريب المهارات الذاتية، عن تأثير سلبي للضرب على التلميذ في مراحل تكوين شخصيته، «يترك لديه حالة من العنف العكسي»، وهذا ما يفسر ممارسة بعض التلامذة العنف على البعض الآخر. و«الضرب»، بحسب المستشار النفسي، يرسخ «مفهوماً تربوياً خاطئاً، فيتعلم التلميذ اللجوء إلى الحل الأسرع بدلاً من بناء تواصل فعّال مع الآخر».
ويشير إلى أن الضرب في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط يؤدي إما إلى الانزواء والانطواء على الذات فيستسلم لواقعه، أو ممارسة العنف والعدوانية.