علي قعفراني حسناً كان فَتح موضوع إلغاء الطائفية السياسية في لبنان في هذا الوقت بالذات. ربما أرادوا الاطمئنان إلى سلامة الوضع الطائفي وصلابته في البلد الأكثر كلاماً والأقل عملاً بين دول العالم أجمع. السبب، في الأغلب، وشاية تقول بتسرب الأمل إلى عقول عادت تعمل بطاقتها الدنيا. أما ماهية الوشاية فهي وجود اختلاف ملموس في الرأي بين أهل السياسة ورجال الدين. اختلاف ربما سمح بتحقيق اختراق ما في جدار الطائفية، الذي ما فتئ يوقظ الشباب من أي حلم يشطح بهم نحو المدنية. والمدنية المُطالب بها هنا ليست مثالية، فهي لا تعدو كونها تجاوزاً للحياة القبلية التي نعيشها بكل ديموقراطية في وطن الرسالات، لبنان.
أصلاً، من قال بعدم وجود الاستفتاءات في لبنان؟ وماذا تفسّرون ما حصل بعد طرح إلغاء الطائفية؟ ألم يكن من أكثر الاستفتاءات سرعة في التنفيذ ووضوحاً في النتيجة، ما يدخله، إلى جانب صحن الحمص، في كتاب غينيس للأرقام القياسية؟ كأني بهم (السياسيين الأشاوس) يعانون أزمة من المنابر، كما من الغيرة والحسد ممن أسعفه الحظ باعتلائه المنبر لحظة ورود نبأ إلغاء الطائفية السياسية، فالتقطه هوائياً رافضاً له على الملأ... وطبعاً، رغم أنف أميركا وإسرائيل وسوريا وإيران... والنمسا! ساورهم الشك في ذواتهم، لذا أرادوا التحقق من الأمر: هل الطائفية بخير؟ ربما نسوا إذا كانوا فعلاً مع الطائفية السياسية أو ضدها. فأرادوا تذكير أنفسهم قبل الناس. ولذا كان هذا الطرح.
ما حصل يعلن موت الأحزاب العلمانية في لبنان، اللهم إلا إذا غيرت رأيها وأرادت فعل شيء غير الكلام المكرر في مؤتمرات لا تجد لها مناسبة غير ذكرى مرور سنة إضافية على استهتار ورثة هذه الأحزاب بنضالات من سبقوهم أو حتى على التفكير في سبب انكفاء الناس عنها. على هذه الأحزاب أن تنفض غبار الزمن عن بياناتها السبعينية البالية. لأن إعلان موت الأحزاب العلمانية في لبنان يرتّب على ما بقي من الشباب الاستعداد لما هو أسوأ.