يستمر النقاش بين أهل القانون بشأن عدالة تشريع «التوقيف الاحتياطي»، والبدائل «الأكثر إنسانيةً» التي يمكن اعتمادها. أخيراً، خاب أمل من كان ينتظر إقرار تعديل المادة 108 من جانب اللجان النيابية المختصة، فبقيت على ما هي عليه
محمد نزال
كل متهم بريء حتى تثبت إدانته... عبارة تُمثّل قاعدة قانونية جوهرية، وتحوز إجماع أهل القانون، ولو نظرياً، لما تعنيه من إحياء لقيم العدل. ولكن ماذا لو بقي المتهم خلف قضبان السجن سنين، رهن التوقيف «الاحتياطي»، ثم أعلنت المحكمة بعد ذلك براءته؟
هل تتوافق هذه الإجراءات القضائية مع مفهوم العدالة وقرينة البراءة الملازمة لكل مواطن؟
من جهة ثانية، ثمة سؤال جوهري يُطرح عند ثبوت الجرم بحق المتهم، هل من العدل تأخير محاكمته، ففي بعض القضايا قد يصدر حكم بمعاقبة متهم بالسجن لمدة معينة، ويتبين أن هذا المتهم بقي رهن التوقيف مدة تزيد على مدة العقوبة سنة أو أكثر.
الاثنين الماضي، رفضت اللجان المعنية في البرلمان التعديلات على المادة القانونية المتعلقة بمدّة التوقيف. خاب أمل من كان يتوقع إقرار تعديل على المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لناحية جعلها أكثر مواءمةً مع معايير حقوق الإنسان، إذاً بقيت المادة المذكورة على ما هي عليه بقرار من اللجان البرلمانية، وذلك رغم الانتقادات الكثيرة التي يطرحها أهل القانون بشأن نص المادة المعمول بها حالياً، وكانت الانتقادات قد بلغت أوجها في ظل توقيف الضبّاط الأربعة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
معظم أعضاء اللجان النيابية المعنية، لم يلحظوا «علّة» في نص المادة القانونية، بل العلّة تكمن «في خطورة التمادي في التوقيف الاحتياطي والتباطؤ في التحقيقات» وفق ما أعلن رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم. حمل كلام غانم إشارة إلى «تقاعس» بعض القضاة عن أداء مهمّاتهم، مشيراً إلى «أن الحال ما زالت كما هي رغم المراجعات العديدة التي يقوم بها وزير العدل». وقال غانم إنّ النيابات العامة تعمل وفق مقولة «أوقفه (أي المتهم) لنرى»، وذلك عند وقوع أيّ حادث.
بدوره، أعلن رئيس لجنة الدفاع النائب سمير الجسر ردّ مشروع القانون الوارد في المرسوم الرقم 2341 الرامي إلى تعديل الفقرة الثانية من المادة 108، وإبقاء النصّ الحالي كما هو. وكان لافتاً توافق كلام الجسر مع كلام غانم لناحية تحميل القضاة مسؤولية «التوقيف التعسفي»، ولذلك أعلن الجسر أن اللجنة التي يرأسها قرّرت رفع توصية إلى وزارة العدل، من أجل الطلب إلى النيابات العامة وقضاة التحقيق التقيد بتطبيق أحكام المادتين 107 و108 نصاًَ وروحاً.
النائب غانم تحدث عن خطورة التمادي في التوقيف الاحتياطي والتباطؤ في التحقيقات
يوافق عضو لجنة الإدارة والعدل النائب غسان مخيبر على كلام غانم، لناحية وجود «تقاعس» من جانب قضاة، وعدم تقيدهم بنص القانون، لكنّ مخيبر، وهو العضو الوحيد في اللجنة الذي رفض إبقاء المادة على ما هي عليه، رفض في حديث مع «الأخبار» حصر المشكلة في عمل القضاة، مؤكداً وجود مشكلة أيضاً في نص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي «لا بد من إجراء تعديلات عليها». ولفت مخيبر إلى أهمية التصريح الذي أدلى به رئيس اللجنة «ربما هي المرة الأولى التي يُحمّل فيها القضاة مسؤولية التعسف في التوقيفات رسمياً، وهذه حقيقة ثابتة». أسباب أخرى أدّت إلى عدم إقرار التعديل، حيث تضمّن المرسوم المحال من وزارة العدل أخطاءً مادية ومطبعية، بحسب ما أكّد النائب مخيبر، ولذلك تقرّر انتظار انتهاء لجنة تحديث القوانين من وضع قانون أصول محاكمات جزائية جديد، «وعندئذ سوف نعمل على تعديل المادة المتعلقة بالتوقيف الاحتياطي».
تنص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، المعمول به حالياً، على أنه ما خلا حالة المحكوم عليه سابقاً بعقوبة مدّتها سنة على الأقل، «لا يجوز أن تتعدى مدّة التوقيف في الجنحة شهرين، يمكن تمديدها مدّة مماثلة كحد أقصى في حالة الضرورة القصوى». أما في الجنايات، فتشير الفقرة الثانية من المادة المذكورة إلى أنه ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة، والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم سابقاً بعقوبة جنائية، «لا يجوز أن تتعدى مدّة التوقيف في الجناية 6 أشهر، يمكن تجديدها مرةً واحدة بقرار معلل».
يلفت النائب مخيبر إلى أن كثيراً من القضاة لا يتقيدون بعبارة «معلل»، فيمدّدون التوقيف «الاحتياطي» دون ذكر أي سبب يدعو إلى ذلك. أمّا عن التعديلات التي «يُفترض» أن تضاف إلى المادة 108، بحسب ما يرى مخيبر، فتتمثّل في وضع مدّة زمنية محددة للتوقيف في جميع أنواع الجنايات، لا أن تبقى المدّة مفتوحة إلى ما لا نهاية، أو عائدة إلى «استنسابية» قاضي التحقيق. وعن البدائل التي يمكن أنّ تحل محل التوقيف في السجن، فقد اقترح مخيبر فكرة مراقبة سكن المدّعى عليه، بدل وضعه خلف قضبان خلال فترة التحقيق، وكذلك وضع «سوار إلكتروني» في جسم المدّعى عليه لتعقّبه إذا حاول الهرب، وذلك من خلال تقنية الـ«GPS»، هذا فضلاً عن الإجراء المنصوص عليه في القانون الحالي، الذي يتيح منع سفر المدّعى عليه مدّة شهرين في الجنحة، ومدّة سنة في الجناية.
من جهته، يؤيد الخبير القانوني المحامي ماجد فياض «مبدأ التوقيف الاحتياطي»، على أن توضع في القانون «ضوابط وقيود وشروط، للحد من استنسابية القضاة في هذا المجال». يرى فياض أنه يجب اغتنام فرصة العمل على تعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لتعديل المادة 363 التي تتعلق بالمجلس العدلي، حيث لقاضي التحقيق صلاحيات في توقيف المدّعى عليه إلى ما لا نهاية. وأشار فياض إلى أن التعديلات المقرّة على القانون عام 2001 «لا تستوفي رغبة الحقوقيين الذين طالبوا بتعديل القانون، ولا تزال تحفل بشوائب تجعله دون مستوى معايير المحاكمة العادلة التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة، وصكوك لجنة مراعاة حق الدفاع، لناحية تفسير مدة التوقيف إلى أقصى الحدود، والاستعاضة عنها بالكفالات المالية والبدائل الأخرى، بدل احتجاز حريات الإنسان وتقييدها». ولفت إلى أن «بعض الدعاوى تلقى من القضاة وصفاً جرمياً يفوق حقيقة الأفعال الجرمية نفسها، وذلك فقط للتمكن من إصدار مذكرة توقيف، فنرى بعض الجرائم التي تنص عقوبتها على أقل من سنة حبساً، قد نالت وصفاً مبالغاً به، فقط للتمكن من إصدار قرار بالتوقيف».


«الإفراج» عن مشتري هاتف مسروق

علي يزبك
بعدما أثارت «الأخبار» قضية توقيف المواطن السوري مسعر د. (33 عاماً)، وبعد جهد من عائلته ومن وكيله المحامي أحمد سالم، وافق قاضي التحقيق سهيل حلاوي على طلب إخلاء مسعر، الذي أُوقف قبل شهر ونصف شهر بتهمة شراء هاتف خلوي مسروق. وكان المخلى سبيله، الذي يعمل ناطوراً في أحد الأبنية في منطقة بحمدون، قد اشترى هاتفاً من سوق صبرا في بيروت «دون علمه بأن الهاتف مسروق».
أوقفت القوى الأمنية مسعر بعدما ادعى صاحب الهاتف حبيب ن. أنّ هاتفه سُرق، حيث تبين أنه بحوزة مسعر. لم تنته القضية بعد، فقد حُددت جلسة المحاكمة في 31-3-2010، حيث سيصدر الحكم في هذه القضية، ويمكنه بعد ذلك استئناف الحكم. وقد أبدى شقيق مسعر، رواد، فرحته بإخلاء السبيل بعد كل المتابعة التي تطلّبت جهداً ومالاً، ولكن «المهم أن شقيقي لم يخسر عمله في هذه الأوقات العصيبة، وهو الأب المعيل لخمسة أولاد».