في إطار حل النزاعات، تعمل جمعيتان في المنطقة «المفخخة» شمالاً على فك صاعق الفتنة بين الجيران. هل تنجح المغامرة؟
ربى أبو عمو
عاديةٌ هي الطريق إلى جبل محسن. لا شيء يوحي هناك بأن «معاركَ» حدثت بين أهل الجبل، والجيران في التبانة. السيارات تمر بالمكان، والمشهد طبيعي، حتى الوصول إلى «خط التماس»: إنه شارع سوريا. تُطلّ منه على منطقة باب التبانة التي يحيط بها مشهد الغسيل الموزع على الشرفات كشريط أمني. في آخر التبانة يمكنك أن تشعر أن المسافة بين «الباب» و«الجبل» صفر. والدخول إلى الجبل عاديٌّ أيضاً، قبل أن يطالعك شباب يدخنون النرجيلة. قليل من الخطوات الأخرى، وتصل إلى جمعية وثبة الفتاة، التي جمعت نحو 150 شاباً وشابة من الجبل والتبانة، لسرد حكايا المتاريس وما خلّفته في نفوس الشباب، في محاولة لمحو القتال من الذاكرة.
دفعت مشكلة الجارين جمعية «وثبة الفتاة» وجمعية «التنمية الشاملة» (CDO)، إلى محاولة كسر الحواجز، عبر تعليم شباب المنطقتين كيفية تقبل الآخر وعدم الانجرار إلى الحكم المسبق. وفقاً لما يؤكده مسؤولون في الجمعيتين، فإن مشروعهما قام بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ويندرج ضمن مشاريع عدة في إطار حل النزاعات بين الجماعات. لكن، جبل محسن وباب التبانة تفصلهما السياسة والطائفية. رنين شاهدة على ذلك. حاولت الفتاة (من جبل محسن) تحدي الواقع الطائفي، فشاركت مع الجمعيتين، متحمسةً، للتقرب من الآخر أو... «الغريب». تستذكر حادثة خلال ورشات العمل، حين «اتهمها شاب مشارك بالكفر». وجدت صعوبة في قول الكلمة، وجاوبته من دون انفعال. تمسكت بهدوئها وسردت له قصة. «صنعت أم لديها خمسة أطفال وجبة غذاء يحبها ثلاثة فقط من الخمسة. فهل تدع طفليها الآخرين يموتان بسبب الجوع أم تحضر لهما وجبة أخرى؟». إذاً، الخلاف بين أهالي الجبل والتبانة، بحسب رنين، هو على وجبة طعام. فعناصر العائلة السعيدة كلها متوافرة. تعمل الشابة في محل لبيع الثياب في شارع عزمي في طرابلس. رنين ليست محجبة، ما جعل كثيرين يسألونها عن المنطقة التي تنتمي إليها، حسب اعتقادها. لكن، في المقابل، لا تنفي أن سكان المنطقة اعتادوا عليها. أكثر من ذلك، لرنين صديقة من التبانة كانت تزورها في بيتها في الجبل «من دون علم أهلها». تزوجت الصديقة وقد حضرت رنين حفل العرس.

وصل الجميع إلى خلاصة مشتركة قائمة على الحوار

وفقاً لشهادة صبية أخرى من الجبل، فإن أهالي التبانة يتعاطون مع نظرائهم الجبليين على أساس أنهم «أقلية لا مكان لها في لبنان». يخاف الجبل التبانة. لطالما منعت هذه الأفكار غالبية سكان المنطقتين من الدخول إلى حي الآخر والتعرف إليه عن قرب. «الغريب» يسطع في منطقة الآخر بسرعة.
هكذا، خلقت ورش العمل فرصة للتلاقي. كسرت بعضاً من الخوف المتجذر في صفوف الشباب. عرفوا أن الآخر ليس غريباً أو مخيفاً، بل إنسان يمارس طقوساً يومية مشتركة. قصدوا بعضهم مناطق بعض، ورغم أن الحذر ما زال حاضراً ومتبادلاً، أسهمت ورش التدريب في تنمية المهارات القيادية والانخراط في المجتمع لدى الشباب، كما يؤكد المنظمون. بالنسبة إلى الشباب، مثّل اللقاء فرصة: فراس تعرض لمضايقة من شاب آخر ونسي الأمر سريعاً. إبراهيم شعر بداية أنه عاجز عن الانخراط مع ثقافة خصوم السياسة، قبل أن يتغير موقفه كلياً. في النهاية، وصل الجميع إلى خلاصة مشتركة، قائمة على الحوار. وللمناسبة، كان الحوار شاقاً. ما زال الشبان منقسمين، جزء منهم ينتمي إلى التبانة والجزء إلى الجيل، وتالياً، لا «مواطنة» حتى الآن.