هي قرية صغيرة في قضاء عاليه، والمشكلة التي تواجهها قد لا تهمّ إلّا المعنيين بها، لكنها تشير إلى الذهنية المتحكّمة في عقول كثيرين بعيدين عن مفهوم العمل البلدي. في بلدية صغيرة مؤلفة من 9 أعضاء خلاف يدور منذ سنوات حول منصب رئيس البلدية: من أقاله ومن عيّن آخر مكانه
عامر ملاعب
بدأت القصة باتصال هاتفي من رئيس بلدية رويسة النعمان (السابق؟) منصور غانم، قال إن ظلماً لحق به، جعلت منه رئيساً سابقاً للبلدية «بقرار إحالة من وزير الداخلية»! غانم طلب موعداً لكي يوضح مشكلته، لكنه لم يأت، فذهبت «الأخبار» إلى البلدة مستطلعةً المشكلة.
يتنهّد أحد أعضاء المجلس البلدي لدى سؤاله عمّا هو حاصل في البلدة، يقول بدايةً «ما بقا إلي خلق على مناقشة قصة بلديتنا. فالج لا تعالج». يضيف الرجل الذي يتحفّظ عن ذكر اسمه «بس إذا احتجتم إليّ لكي أشهد على ما حدث، فأنا جاهز».
شهادة؟ لماذا؟ ما هي المشكلة. تتقاطع رواية رئيس البلدية السابق منصور غانم، التي يدعمها بالوثائق، مع رواية شخصين، يعودان بنا إلى الانتخابات البلدية الأخيرة. يومها شهدت البلدة معركة قاسية، كما خرجت النتائج الرسمية بأخطاء عاد مجلس شورى الدولة وصحّحها. وقد اتسمّت السنوات الثلاث الأولى من العمل البلدي بمشادّات عديدة على خلفية ما شهدته الانتخابات. وبعد مرور 3 سنوات، حان موعد إعادة تجديد الثقة برئيس البلدية، فدعا الأخير أعضاء المجلس ثلاث مرات إلى جلسة الثقة، رفض عدد منهم توقيع تبلّغ الدعوة، ولم يحضر في المرات الثلاث إلا ثلاثة أعضاء. بناءً على ذلك راجع غانم قائمقام عاليه منصور ضو، وأبلغه ما حصل، فأصدر الأخير قراراً يرى فيه أن جلسات الثقة الواجب عقدها قد انقضت، وتالياً، تبقى البلدية في صيغتها القائمة، وخصوصاً مع وجود شهادات ووثائق تؤكّد أن غانم دعا إلى الجلسات، «والتبليغات موثّقة بتسجيلات صوتية، وصور عن التبليغات لصقاً، وإفادة الشرطي في البلدية»، يقول.
اللجنة الوزارية اتخذت قرارها من دون الاستماع إلى رئيس البلدية السابق
بتاريخ 22 آب 2008، دعا غانم إلى جلسة لمناقشة الموازنة تعقد في 30 من الشهر نفسه، أُبلغ الجميع وحضروا، غير أن بعض الأعضاء اعترض على جدول أعمالها، وطالب باعتبار الجلسة معقودة «لطرح الثقة بالرئيس». لم يتجاوب غانم، فوقعت مشادّة كلامية بينه وبين الأعضاء المعارضين له، وحصل تدافع وتمزّقت صفحات المحاضر، وانتهت الجلسة بـ«طرد» الرئيس من المبنى، وفق رواية المقرّبين منه. وبقي عدد من الأعضاء في البلدية، وانتخبوا سعيد نعمة، رئيساً جديداً للبلدية!
رُفع الأمر إلى المحافظ ووزير الداخلية، الذي كلّف لجنة تحقيق النظر في الأمر، كما قدّم غانم شكوى ضد الأعضاء الذين اعتدوا عليه، وادّعت عليهم النيابة العامة بجناية السرقة والتزوير الجنائي، وبجنح التهديد والقدح والذمّ والتشهير، وأحيل الملف على قاضي التحقيق في جبل لبنان.
اللجنة المكلفة من الوزارة لم تستدعِ رئيس البلدية «حسب الأصول الرسمية لذلك»، يقول غانم، مؤكّداً أن أحداً لم يستمع إلى إفادته. رغم ذلك عدّت اللجنة الجلسة قانونية، بما فيها قرار انتخاب الرئيس الجديد سعيد نعمه، «علماً أنّ هناك دعوى جزائية بحقّه».
هذه الرواية يرفضها رفضاً قاطعاً الرئيس الحالي للبلدية سعيد نعمة، وهو يضعها في إطار «إصرار السيد منصور غانم على رفضه التنازل عن رئاسة البلدية لأنه عرف أن الثقة لن تكون لمصلحته». واتهم نعمة الرئيس السابق بـ«التقصير في عمل البلدية خلال فترة السنوات الثلاث، حتى إنه لم يدع إلى اجتماع للبلدية لفترة طويلة، وهو يرى الأمور تحدّياً شخصياً بعدما فقد الإجماع في المجلس البلدي». كما نفى نعمة أن «تكون الجلسة التي عقدت في 30 آب 2008، قد شهدت تهديداً شخصياً للرئيس غانم، ولكن الضغط الذي مارسه الأعضاء أحرجه فخرج». ورأى أن «كل ما حيك بعد ذلك من أخبار، غير واقعي ولم تحصل أي أمور غير طبيعية». وعن الشكاوى المقدمة بحقه، أجاب «الأمر عند وزارة الداخلية وهي تقرر الفصل في كلّ الأمور».
لا نص في القانون يمنح الوزير صلاحية تصديق أو إقرار محضر انتخاب الرئيس
«الأخبار» عرضت هذه الوقائع على أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية، الدكتور عصام إسماعيل، الذي أضاء على الموضوع من خلال المعطيات المتوافرة لنا، من دون أن نتبنّاها. فوافق بدايةً على وجود مشكلة قانونية في القضية، وأوضح في ما يخصّ جلسة طرح الثقة، أن الفقرة 5 من المادة 9 من قانون البلديات وضعت شرطين لنزع الثقة من رئيس البلدية أو نائبه، الشرط الأول أن تجري عملية نزع الثقة في أول جلسة يعقدها المجلس بعد العام الثالث على ولايته، والشرط الثاني أن يجريَ التصويت على نزع الثقة بناءً على عريضة يوقّعها ربع الأعضاء. لذلك فإن الإشكالية التي تفتح باب الاجتهاد تدور حول صحة توجيه رئيس البلدية الدعوة إلى الأعضاء ثلاث مرات لجلسة مخصصة لنزع الثقة، من دون أن يستجيب الأعضاء لهذه الدعوات، وعدم عقد هذه الجلسة لثلاث مرات على التوالي، ثمّ إقدامهم في أول جلسة انعقاد فعلية للمجلس البلدي، ومخصّصة لمناقشة الموازنة على نزع الثقة من الرئيس، فإذا كان نزع الثقة قد حصل بناءً على مناقشة عريضة موقّعة من ربع الأعضاء، فإن قانونية قرار نزع الثقة تتوقف على اعتبار هذه الجلسة بمثابة الجلسة الأولى. وإن كان للقائمقام اجتهاد خاص مفاده أن التبليغ تحت عنوان طرح الثقة 3 مرات، كافٍ لاعتبار الجلسة قد عُقدت، إذ لا يجوز أن يبقى طرح الثقة سيفاً مصلتاً حتى اليوم الأخير، و«الحجّتان قويتان راجحتان».
لكن إسماعيل يضيف إن نزع الثقة من الرئيس لا يبيح للمجلس البلدي أن ينتخب رئيساً آخر في الجلسة نفسها، إذ إنّه في غياب النص الخاص، الذي يحدد كيفية انتخاب الرئيس بعد نزع الثقة، يجب تطبيق النص العام المتعلق بانتخاب رئيس البلدية ونائبه، وهو نص المادة 11 من قانون البلديات، الذي ينيط بالمحافظ أو القائمقام تعيين أعضاء المجلس البلدي، وتبليغهم موعد انتخاب رئيس ونائب رئيس البلدية ومكانه.
أما في حال مخالفة المجلس البلدي لهذا النص، وإقدامه في الجلسة نفسها لنزع الثقة من الرئيس على انتخاب خلفاً له، فإن جلسة الانتخاب تكون غير شرعيّة، وتبطل كل المقرّرات التي تنتج منها، وإن تصديق وزير الداخلية على محضر الانتخاب لا يزيل العيوب الجسيمة التي تعتريه، ولا تجعل من الانتخاب قانونياً، وذلك سنداً لقاعدة عدم جواز تصديق عمل مخالف للقانون، وقاعدة لا وصاية إلا بنص، إذ لا يوجد نص في قانون البلديات يمنح وزير الداخلية صلاحية تصديق محضر انتخاب رئيس البلدية أو إقراره.


«الداخلية» ليست طرفاً

أكدت مصادر في وزارة الداخلية عدم وجود موقف مسبق من أي طرف في التعامل مع هذه القضية، وهي أبدت تجاوباً كاملاً لإرسال كل المراسلات والمستندات التي تخص هذه القضية في حال استكمال جمعها إلى «الأخبار»، لأن ذلك لم يكن ممكناً قبل نشر التحقيق لضيق الوقت.
المصادر إذ تصف القضية بـ«الإدارية القانونية»، تجزم بعدم وجود أي تدخل سياسي فيها لأنها مجرد خلاف بين الأفرقاء، لم تتدخل فيه الوزارة لمصلحة أحد. كما تحرص على التوضيح بأن اللجنة الوزارية التي كلفت التحقيق لم تتخذ أي قرار يعتبر الجلسة قانونية أو غير قانونية، «بل هي تبلغت نتيجة محضر الجلسة بالتسلسل الإداري لا أكثر ولا أقل»، مشيرة إلى أن القضية لا تزال موضع مراجعات قضائية، في انتظار الحكم