البترون ــ عمر حبيبزوجته وابنته تنظران إلى الفراغ، تهزّان الرأس عندما تعزّيهما. ولوران، شقيقه، يقبل بـ«المشيئة الإلهية، الله أراد أن تكون الأمور على هذا النحو». يعيدها مرة تلو المرة، علّه يقتنع. أما الأمّ، فالصدمة في ملامحها؛ لم تخرج من الحداد الأول، وهي تحاول الدخول في حداد آخر.
حول العائلة، جدية وصمت. لا كلام ولا همسات جانبية. حتى ما كان يدور حتى الأمس القريب من أحاديث عن إهمال رسمي وعن المؤامرات، والسخرية من الصندوق الأسود الذي لن يَظهر أو يُظهر شيئاً، كل ذلك توقّف عند إعلان العثور على ألبير. الحزن حقيقي والجميع من أهل الفقيد.
خارج صالون الكنيسة، كل واحد يعرف ما عليه أن يفعل؛ يلصق صور ألبير على الجدران، يستقبل المعزِّين الوافدين من خارج المدينة، يهتمُّ بشخصية وصلت لتقديم العزاء أو بإعلاميين يسألون عن أهل الفقيد.
لا يزال ألبير في مستشفى بيروت الحكومي بانتظار انتهاء المعاملات الرسمية. لكنه غداً الجمعة، سيدخل البترون الثانية من بعد الظهر في موكب من الأصدقاء على متن قارب يجري تزيينه للمناسبة، يجول فيه في شوارع المدينة، تودِّعه ويودِّعها، لينام أخيراً تحت ترابها، إلى جانب والده، فيعرف أهله ومحبُّوه أنه هنا، وتبدأ أخيراً فترة الحداد.