عين الرمانة ــ محمد محسنفي عين الرمانة، تبدو عيون الشباب الواقفين ليلاً في الزوايا ذابلة. لكنها عيون تجحظ لدى حديث الشبان عن أوضاعهم وأسباب «استيطانهم» في زوايا الشوارع. ليس غضباً من فضول الصحافة، بل حرصاً على ما يخبّئونه في الزوايا، من أمور لا يرى الناس منها سوى العنف والسكاكين أو تعاطي المخدّرات. تعجز السياسة عن الفصل بينهم وبين أقرانهم في الأحياء الأخرى، وخصوصاً في ظروف الحياة وطبيعتها. اختلافات تتضاءل مع شباب الأحياء المحيطة كالشياح مثلاً.
حتى اليوم، لا تزال فكرة «حراسة المنطقة» تحتل مساءات بعض الشبان هناك. يجلسون ليلاً في الزوايا، يتبادلون الحديث، وأشياء أخرى كالسجائر والبيرة. قد تصل سوق المقايضة بين البعض منهم إلى حدود حبوب الهلوسة. لا يختلف اثنان على الدور الذي تؤدّيه الأحزاب في تزكية فكرة «الحراسة». يعزّز هذه النظرة، ما ينقله أحد شبان الزوايا في عين الرمانة (رفض الكشف عن اسمه)، إذ يتحدّث عن «أموال كانت تدفع لنا من أطراف سياسيّين لحراسة المنطقة، وكنا إذا سألنا أحد عن وضعنا، نجيبه بأننا «قريبون من البلدية». يلوّن الهدوء ليل عين الرمانة. لكنه يتلاشى شيئاً فشيئاً كلما اقتربت من شبان يلعبون «البوكر والبينغو». هكذا يملأون ليلهم، أمّا نهارهم، فـ«صباحاً للنوم. أستيقظ ظهراً، وليلاً للبينغو»، كما يقول أنطون. هو لا يصرف أموالاً كثيرة في هذه اللعبة «أصلاً ما معنا. فقراء نتسلّى بخرجيتنا». عمره 19 عاماً ويتحدث عن «خرجية» زهيدة. هو غير ملوم بلعب «البينغو»، وخصوصاً حين يحدّثك عن «فقر أهلي، والفراغ الذي نعيشه. فتّشت عن عمل، لكن الأجور منخفضة لواحد مثلي دون شهادات». إذاً، الحراسة أو لعب البينغو أو قضاء وقت الفراغ في الشارع

تؤدّي بعض الأحزاب دوراً في تزكية موضوع الحراسة
مع «الشلّة»، عناوين تختصر حياة شباب الزوايا هناك، لكن خلف هذه العناوين، تقف أسباب يعبّرون عنها بأنفسهم. لازمة حديثهم قبل تلاوة الأسباب: «نحن لسنا أشراراً بالفطرة كما يظننا البعض». هم كغيرهم من شباب الأحياء الفقيرة، عطشى لفرصة عمل ومدخول شهري. بوضوح، يتحدّث إيلي عن حياته مع الزاوية. فرغم تحوّلها إلى مكان دائم يحبّه، ويعطيه «شعبية» في المنطقة، فإنّه يتحيّن الفرصة «لأخرج من هذا الجو». مقتضيات هذه اللحظة كما يراها، عمل أو عودة إلى الجامعة التي تركها منذ سنتين، لكنه يستصعب هذا الأمر «ما إلي خلق افتح كتاب». هكذا، يبقى الحديث مع شبان كإيلي أسهل من الحديث مع آخرين، لا ينكرون «امتهانهم» الوقوف في الشارع. على مزاجهم، يتعاطون مع كل وجه لم تألفه أحياء عين الرمانة. حتى جيرانهم من أصحاب الدكاكين، يشتكون من بعض تصرفاتهم، وخصوصاً أنهم يتذرّعون بحماية الدكان، حتى يبتزوا البقّال على قاعدة: علبة سجائر مقابل عدم الافتراء عليه.