محمد نزاللطالما كان لبيروت «قبضاياتها»، لكن اليوم، تختلف النظرة إلى هؤلاء الشباب بنظر الجيل الأسبق، فهم إما «جدعان وأصحاب نخوة»، وإما «زعران ودكّتهم رخوة». «الطاسة ضائعة»، فكبار السن، من القبضايات القدامى، لهم طقوسهم: «شو بدك بأولاد البسطة، ما قلتلك يا أسطة، إللي ما بيقتلك بالسكين بيقتلك بالبلطة»، يقول أحدهم، في إشارة إلى سلوك «قبضايات» المقاهي والزوايا العتيقة في بيروت. اختلفت «الطقوس» اليوم قليلاً. فعند السادسة من مساء كل يوم، تقريباً، يمكن رؤية هؤلاء الشباب المتسكعين، واقفين في أحياء منطقة الحمراء، وليس في شوارعها الرئيسة. لا يتوقف الأمر على الحمراء. تجدهم أيضاً في منطقة البسطة قرب جسرها الشهير، وفي زقاق البلاط والخندق الغميق، ومنطقة قصقص عند الطريق المؤدية إلى ساحة البربير، وكذلك في ساحة ساسين في الأشرفية، وفي أغلب أحياء المدينة. العاصمة تعج بأهل الطرق.
ماذا يفعل هؤلاء؟ وكيف يقضون الوقت عند «الزوايا» وما هي الأحاديث التي تدور بينهم؟ يتحدث الشاب طارق شهاب بحسرة، عن أيام خلت، حتى 10 سنوات تقريباً، عندما كان هؤلاء الشباب يحملون إرث «قبضايات» بيروت بكل ما تعنيه الكلمة من شهامة. أما اليوم، بحسب طارق، فقد تراجعت ظاهرة شباب الأحياء في بيروت، وحلت محلها ظاهرة تسكع الشباب «الكوول» بأشكالهم الغريبة عن تراث المنطقة. يؤلمه ذلك! في المقابل، يتحدث عن صديق له، نزل إلى شوارع المنطقة، وأخذ يكتب على جدران الأبنية عبارات أراد من خلالها تثبيت «زعامته» على المنطقة. ومن الكتابات التي خطها، عبارة «زعيم منّو لئيم»، التي لا تزال ظاهرة حتى اليوم، مجهولة المصدر. صاحب هذه العبارة، هو «الزعيم». هكذا يقصد، ولا أبعاد سياسية لشعاراته، كما يظن البعض.
طارق من «سكان» إحدى زوايا شارع ليون. يقف على زاويته المفضلة كلما سنحت له الفرصة. يقول إن عدد «المجموعة» نحو العشرة شبان، يقفون هناك، ويتحدثون عن أهل المنطقة وأهلها، زواج وغرام وما إلى هنالك، «كأننا مخاتير المنطقة». يبتسم الشاب وهو يقول: «لا أخفي عليك وجود بعض الزعرنات، مثل تلطيش البنات، وخاصة عندما يكونون من خارج المنطقة». أما في منطقة زقاق البلاط، حيث لرواد الزوايا تاريخ عريق، فإذا مرّ أحد «الغرباء» في سيارته، يسألون عن هوية الضيف ليطمئن بالهم، على حد قول أحدهم. الارتياب ليس أمنياً، كما يقول حسن شاهين، بل بسبب احتمال أن يكون المار بطريقة «غير طبيعية» آتياً لمغامزة إحدى فتيات «المنطقة». لا يقبلون هذا التصرف من «الأغراب»، رغم أن لكل واحد منهم «فتاته الخاصة».
يعزّ على شباب الزوايا أن يتعرض أحد أبناء حيهم للأذى في حيّ آخر. هكذا، يتحدث شاهين عن اعتداء تعرض له أحد الجيران، على أيدي شباب الزاويا في البسطة. علموا بالأمر، فهبّوا إلى هناك لنصرته، و«وقعت الواقعة، فعدنا من هناك لا غالب ولا مغلوب، ولكن على الأقل لم نقبل بالاعتداء على أحدنا». إذاً، الشوارع مدن داخل المدن.