لا خيمة فوق رأس أحد في مخالفة القانون، فكما يرتكب بعض المدنيين أفعالاً جرمية، يفعل بعض العسكريين الأمر نفسه. أحد المتقاعدين من الجيش اشترك في تزوير مستندات للحصول على المال، فكان مصيره السجن
محمد نزال
تعرّف أنطوان على مخّول، أثناء وجودهما في أحد محال ألعاب «البوكر» في منطقة بدارو. وبعد أكثر من لقاء بينهما، شكا أنطوان لصديقه الجديد سوء حالته المادية. طمأنه مخول، وهو رقيب أول متقاعد في الجيش اللبناني، واعداً إياه بالمساعدة. أعطاه دفتر تقاعده في الجيش وإفادة براتبه التقاعدي الصادرة عن وزارة المال، مشيراً عليه بأن يمحو الاسم المدوّن في الدفتر ويضع اسمه مكانه. بالفعل، قام أنطوان بما أشار عليه مخّول، قبل أن يصطحبه الأخير إلى سيّدة تعمل مع شقيقتها في إقراض العسكريين الحاليين والمتقاعدين، لقاء فائدة مالية. حصل أنطوان على القرض، فتقاسمه مع مخّول بحسب ما كانا قد اتفقا عليه قبل ذلك، بحسب ما رأت المحكمة التي نظرت في القضية الواردة.
مضت مدّة، قبل أن توقف القوى الأمنية أنطوان في قضية مالية أخرى. وفي أثناء مثوله أمام المحكمة، أفاد بما كان حصل بينه وبين مخّول. أحالت محكمة الجنايات في بيروت المحضر إلى النيابة العامة، فتم تكليف القوى الأمنية بالبحث عن مخّول. لم يُعثر عليه في البداية، حيث كان قد بدّل مكان إقامته، فجرى إبلاغه بواسطة شقيقه ضرورة الحضور إلى المفرزة القضائية المعنية.
لم تأخذ المحكمة بتراجعه عن إفادته لأنه يريد مساعدة صديقه
استمرت المحكمة في متابعة القضية، فاستمعت إلى إفادة السيدة التي أقرضت أنطوان المال. وجاء في إفادتها أنها تعرف مخول (العسكري المتقاعد) منذ سنين، حيث كان يتردد إلى منزلهم للقاء والدها، وبقي كذلك حتى بعد وفاة الأخير. كان يستدين منها مبالغ مالية، لكنه لم يكن يعيد شيئاً إليها في أغلب الأحيان. وذكرت أنها كانت تحجز على راتبه في وزارة المال، بغية استيفاء مالها، عندما كان يتخلف عن تسديد الدين المترتب عليه. وأفادت أن مخول اصطحب معه ذات مرة أنطوان إلى منزلها، وأخبرها بأن الأخير عسكري متقاعد مثله ويريد قرضاً. لم تكتشف السيدة أنها وقعت ضحية غش وتزوير، إلا بعد مراجعتها وزارة المال حيث تبيّن لها أن المستندات العائدة لأنطوان مزورة.
أخيراً، أوقفت القوى الأمنية مخّول وبدأت التحقيق معه. أنكر ما أُسند إليه من تهم، وأفاد بأنه كان يعمل في أحد مواقف السيارات في منطقة بدارو، وذلك بعد تقاعده من الجيش، وأنه تعرّف على أنطوان الذي كان يركن سيارته دائماً في الموقف، وكان يراه مرتدياً ثياباً عسكرية. لم ينف مخّول اصطحاب أنطوان إلى السيدة التي أقرضته، لكنه نفى أن يكون قد زوّده بدفتر تقاعده من الجيش ليزوره. وبالاستماع إلى إفادة أنطوان، نفى ما كان قد ذكره في التحقيق الأولي والاستنطاقي، قائلاً إنه أخطأ في إفادته السابقة أمام المحكمة بحقّ مخول، ومؤكداً أن الأخير لم يزوّده بدفتر تقاعده، بل كان «سكراناً» في أحد الأيام، فوقع منه الدفتر على الأرض، ثم أخذه دون علم صاحبه وفعل به ما فعل.
وفي جلسة المحاكمة الختامية، ترافع وكيل مخّول، طالباً إعلان براءة موكله.
لم تأخذ المحكمة بتراجع أنطوان عن إفادته الأولى، لأنه يهدف إلى «مساعدة صديقه المتهم على التملص من المسؤولية بعد إلقاء القبض عليه، ولأن الإفادة الأخيرة تتناقض مع إفادة مخول بأنه لم يقبض عمولة أو يتقاسم المال مع أنطوان، على عكس ما ورد في إفادة الأخير الذي أكد أنه أعطى شريكه عمولة قدرها 20% من أصل قيمة القرض».
وبناءً على المعطيات والأدلة الأخرى الواردة في ملف القضية، أصدرت محكمة جنايات بيروت برئاسة القاضية هيلانة إسكندر وعضوية المستشارين وليد القاضي وهاني عبد المنعم الحجار، حكماً قضى بتجريم مخّول وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة بحقه مدّة 3 سنوات. ثم خفضت مدّة العقوبة إلى سنتين بعدما منحت المحكمة المتهم أسباباً تخفيفية.