فاتن الحاجربما كان تعطش المشاركين في ندوة «قياس مستوى كفاءة الطلاب الجامعيين في اللغة الأم» التي نظمتها اللجنة الوطنية لليونسكو، لسماع نتائج اختبارات في اللغة العربية يخضع لها طلاب يستعدون لدخول الجامعات، هو ما فاجأهم بأن يكون الجزء الاكبر من تلك الاختبارات باللغتين الفرنسية والإنكليزية برغم أن الدعوة ذكرت هذين الاختبارين كنموذج. فهؤلاء، مثلنا، تحمسوا للاطلاع على أداء الشباب العربي واللبناني تحديداً في اللغة التي ينطقون بها أي «كيف يقرأون ويكتبون، يعبّرون عن أنفسهم؟» وذلك وسط كل الكلام عن انحدار مستوى لغة تواجه تحديات العولمة.
لكن ما قدمته الندوة بدأ باختبارين: الأول تجريه الجامعة اليسوعية لقياس مستوى كفاءة الطلاب في اللغة الفرنسية، والثاني يقوم به مكتب أميديست لقياس مستوى الكفاءة في اللغة الإنكليزية. ثم اختبار ثالث لقياس مستوى الكفاءة في اللغة العربية ولكن لغير الناطقين بها، الذي يعتمده المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي في المملكة العربية السعودية.
الخبير التربوي د. عدنان الأمين الذي أدار الندوة أجاب بصورة غير مباشرة عن تساؤل أكثر من مشارك: «لماذا ليس لدينا اختبارات تقيس أداء الطلاب العرب واللبنانيين في لغتهم الأم؟» فقال:
هناك هوة بين التحصيل المدرسي ومتطلبات التعليم الجامعي
«لا مرجعية واضحة ذات قيمة معنوية لقياس الأداء في اللغة العربية، فأدوات القياس تصبح مطاطة، تتغيّر تبعاً للأشخاص ومزاجهم ، ولا تسمح بالضرورة بتحديد مستوى الأداء بصورة دقيقة».
ما نحتاج إليه، بحسب الأمين «أن نطوّر أدوات القياس لنعرف ماذا نعلّم طلابنا، ومن أجل أن يكون هذا الذي نعلمه لغة فصحى عصرية، تغنينا في مجالات واسعة من حياتنا عن الاستعانة باللغة الأجنبية، أو بالمستوى العامي في لساننا حيث تكون هذه الاستعانة عائقاً للتواصل الأوسع في ما بيننا ولدقة التفكير في أمورنا العامة».
في المقابل، بدا لافتاً في النقاش ما تحدثت عنه فاطمة بكداش، مديرة التربية والتعليم في مؤسسة الحريري، لجهة عدم قدرة المعلمين الذين يتقدمون للتدريس في المؤسسة على التعبير عن أنفسهم في اللغة العربية، «لدرجة أننا لا نستطيع أن نضع علامة واحدة على السؤال المفتوح في معظم طلبات التوظيف، علماً بأنّ هؤلاء يتخرجون من جامعات عريقة». من هنا، سألت بكداش: «هل تتابع اختبارات اللغة الطلاب خلال سنواتهم الجامعية، أم تكتفي بقياس أدائهم لدى دخولهم الجامعات؟». لا بل إن د. هنري عويس، مدير معهد اللغات والترجمة في الجامعة اليسوعية، روى كيف يقع الطلاب أسرى امتحان القبول في اللغة، فيهابون المكان وسماع نص يخرج عن إطار المألوف سماعه في المدارس. وعزا السبب إلى الهوة الكبيرة بين الكفاءات المكتسبة في التعليم المدرسي ومتطلبات التدريس في التعليم الجامعي. لكن المفارقة، بحسب عويس، هي ما تعمد إليه إدارات بعض المدارس: طلب بعض نماذج الاختبارات لتحقيق نسبة معينة من النجاح، فيما لا تكترث هذه الإدارات بما إذا كان مستوى تلامذتها في اللغة يسمح لهم بمتابعة مستوى التحصيل الجامعي أم لا. ويعطي عويس مثلاً آخر عن عدم قدرة الطلاب الجامعيين على التعبير عن أنفسهم بلغتهم الأم من خلال تدوين رؤوس أقلام، لأن المعلمين في المراحل الأساسية يملون المعلومات عليهم. أما بشرى عدرة، المستشارة التربوية في وزارة التربية، فرأت أنّ هناك حاجة لإعادة النظر في أهداف المناهج، إذ ليس مقبولاً أن يخضع الطالب لـ1700 ساعة لغة فرنسية في التعليم الأساسي ويحتاج بعدها لدورة تدريبية كي يقبل في اختبار اللغة لدخول الجامعة.
يوافق مالك خليل من جامعة الجنان على أنّ المناهج مجتزأة جداً والطالب لا يلم بلغته الأم التي تتراجع أمام اللغات الأجنبية الأخرى. وسأل: «كيف نقيس مستوى كفاءة الطالب في اللغة العربية ونحن لم نقدم له المفاتيح؟».