بينما ساد الارتباك المحطات اللبنانية وتضاربت الأرقام من شاشة إلى أخرى، كان الإعلام البديل يتقدّم بهدوء موثّقاً الضحايا بالأسماء والصور!
ليال حداد
انتشال 7 جثث حتى الآن... ارتفاع عدد الضحايا المنتشلين إلى 11... لم يُعرف حتى الساعة عدد الركّاب الذين انتُشلوا... على وقع هذا الارتباك، استيقظت المحطات التلفزيونية اللبنانية، وانتشر مراسلوها بين مطار بيروت، والمستشفى العسكري، ومستشفى بيروت الحكومي، وشاطئ خلدة، الذي كان شاهداً على تحطّم الطائرة الإثيوبية وغرقها في البحر.
إذاً، في ساعات الصباح الأولى، بدت القنوات في حالة ذهول، عاجزة عن استيعاب حجم الكارثة التي وقعت أمس. تضاربت أرقام كل محطة لجهة عدد الجثث المنتشَلة، ولم تتضّح الصورة حتى انتصاف النهار. مثلاً، بثّت قناة «العربية» خبراً عن تمكّن فرق الإنقاذ من انتشال سبعة ركّاب أحياء، فعادت «أخبار المستقبل» ونقلت الخبر نفسه، ليتبيّن لاحقاً أن الخبر عار من الصحّة، وما انتُشل كان جثث سبعة ركاب.
كذلك، غابت المهنيّة عن أداء مراسلي مختلف المحطات. منذ بداية التغطية، جزم هؤلاء ـــــ ولو بطريقة غير مباشرة ـــــ بأنّ جميع الركاب قضوا في تحطّم الطائرة، حتى قبل انتهاء عمليّات الإنقاذ. وطغت كلمات «الضحايا»، «الركاب الذين قضوا»، «أهالي الركاب القتلى» على قاموس هؤلاء.
وسط كل هذا، توجّهت الأنظار إلى محطة MTV لمعرفة مصير عضو مجلس إدارتها خليل الخازن (1967) الذي كان على متن الطائرة المنكوبة. غير أنّ المحطة تكتّمت حول الموضوع، حتى إنّها لم تُذِع أي خبرٍ يتعلّق بالخازن ضمن تغطيتها المتواصلة للأحداث. وعلى رغم أنّ «الجديد» كانت المحطة الوحيدة التي أرسلت مندوباً (حسين خريس) إلى مبنى MTV، فإنّها عجزت عن إجراء أي مقابلات مع موظّفي التلفزيون أو زملاء الخازن.
احتلّ الشاشات مواطنون كان يُفترض أن يكونوا من المفقودين
مرة جديدة إذاً، أثبتت «الجديد» أنّها الأفضل في مجال التغطية الميدانية، رغم الأخطاء التي ارتكبها مراسلوها. كانت هي أول محطة تنقل صوراً مباشرة من شاطئ خلدة، مع مراسلها فراس حاطوم. وقد أغرق هذا الأخير المشاهد في لعبة التكهّنات في سياق تحليله لأسباب تحطّم الطائرة. كذلك أبدت المحطة اهتماماً كبيراً بركاب الطائرة الأجانب، فتحدّثت كريستين حبيب مع بعض الإثيوبيات اللواتي حضرن إلى المطار بانتظار وصول أيّ معلومات عن أقاربهم، الذين كانوا على متن الرحلة.
على «المنار»، بدت الصورة مشابهة. إذ خصّصت المحطة فترة ما قبل الظهر لنقل وقائع عملية الإنقاذ، إضافةً إلى مشاهد لأهالي الركاب، ومشاهد من المطار ومستشفى بيروت الحكومي.
وفي ظلّ تغطية «الجديد» وMTV و«المنار» المتواصلة حتى الساعة الرابعة من بعد الظهر، فضّلت محطات أخرى، إكمال برمجتها المعتادة، أو وضع موسيقى كلاسيكية، مع بثّ بعض الملاحق المباشرة. OTV مثلاً استقبلت في استديوهاتها أحد الدبلوماسيين الأميركيين، ليتحدّث عن... مفاوضات السلام في المنطقة، إلى جانب اتصالات مع مراسليها في مختلف المناطق المعنية. كما عرضت مداخلة لمدير أخبارها جان عزيز، الذي كان أوّل من أعلن نتائج الاجتماع الأمني الذي عقد في المطار.
«أخبار المستقبل» من جهتها، وجدت ـــــ بين ملحق وآخر ـــــ متسعاً من الوقت لعرض وثائقي عن «تغيير التقويم الكنسي على عهد غريغوريوس الثالث عشر في القرون الوسطى». أما «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، ففتحت الهواء للصحافي راجح الخوري ليعطي رأيه في «نوايا الرئيس نبيه بري الطيبة في ما يخصّ الانتخابات البلدية، وخفض سن الاقتراع»! نبيه بري كان حاضراً أيضاً، على nbn، وذلك لمناقشة دعوته إلى إجراء الانتخابات البلدية.
كذلك عدّت كل محطة نفسها سبّاقة في نقل مقابلات مع لبنانيين كان يُفترض أن يسافروا على متن الطائرة المنكوبة ثمّ عدلوا عن ذلك. هكذا أطلّ رجل يدعى حسن وآخر يدعى فؤاد والنائب نوّار الساحلي على كل المحطات، ليعيدوا القصة نفسها، عن «القدرة الإلهية التي نجّتهم من السفر في تلك الليلة المشؤومة». كما لم يوفّر بعض أهالي ركاب الطائرة، الكاميرات للوم الدولة على عدم توفير خطوط سفر مباشرة بين بيروت والقارة السمراء. وفي وقت تحوّلت فيه «الجديد» و«المنار» إلى منبرٍ لأهالي الركاب، خرج مدير «المركز الدولي للإعلام والدراسات» الإعلامي رفيق نصر الله على شاشة «الجديد» ليُعلن «استهداف فئة معيّنة من اللبنانيين (الطائفة الشيعية) بسبب غياب خطوط طيران مباشرة إلى أفريقيا»!
أما فضائياً، فبدت الصورة أكثر هدوءاً. اكتفت كل من «العربية» و«الجزيرة» بعرض تقارير خلال نشرات الأخبار مع نقل المؤتمرات الصحافية المباشرة للمسؤولين اللبنانيين.


ارقدوا بسلام

لعلّ هذه هي المرة الأولى التي يكتشف فيها لبنان أهمية الإعلام الجديد والبديل. ما إن أعلن عن خبر سقوط الطائرة، حتى أسّس عدد من الشباب اللبنانيين مجموعة خاصة على موقع «فايسبوك» بعنوان R.I.P Victims of the Ethiopian plane crash in Lebanon «ارقدوا بسلام ضحايا تحطّم الطائرة الإثيوبية في لبنان». وقام أعضاء المجموعة بعمل لافت، لجهة جمع أسماء الضحايا اللبنانيين والأجانب حتى قبل إذاعتها رسمياً. كما أن عدد الأعضاء ارتفع سريعاً. وفي أقلّ من خمس ساعات، وصل عدد الأعضاء إلى أكثر من ستة آلاف عضو. وقد زوّد هؤلاء المجموعة بصور للضحايا، وتواريخ ميلادهم ومناطق ولادتهم.