الرحلة 409 في يومها الخامسبسّام القنطاربصوت مبحوح، يكاد لا يخرج من صدرها، كانت شقيقة الأخوين فؤاد وعباس جابر اللذين فقدا في حادث تحطم الطائرة الإثيوبية فجر الاثنين الماضي، تخاطبهما أمام شاطئ البحر في منطقة خلدة حيث غرقت الطائرة، وهي تتمرغ في رمال الشاطئ، حاملة صورهما مضمومة إلى صدرها. لم تغفر السيدة لنفسها «جريمة» أنها أوصلتهما بنفسها إلى المطار. هكذا، كانت تخاطب البحر بلوعة: «اعطيني إخوتي، كيف ما كان شكلهم، هاتهم».

لكن الشاطئ لم يكن مقصد الأهالي المفجوعين فقط. ففي اليوم الخامس تحوّل شاطئ خلدة إلى مقصد لسياح عرب وأجانب عكفوا على التقاط صور اليمّ الأزرق، لا بل إن بعضهم كان يقف في الصورة... التذكارية!
لا جديد في عملية البحث عن طائرة البوينغ 737 التي تحطمت وعلى متنها 90 شخصاً، بينهم 54 لبنانياً. وقال وزير الأشغال والنقل، غازي العريضي، لوكالة فرانس برس: البحث مستمر. أنهت الفرق المختصة عملية مسح نحو ثلثي المنطقة التي تم تحديدها بعد التقاط إشارات الصندوق الأسود». وكان قد أعلن أول من أمس أن مساحتها 49 كيلومتراً مربعاً تبدأ على بعد 14 كيلومتراً من الشاطئ بعمق يصل إلى 1500 متر. وقد واصلت الباخرة المدنية المتخصصة، «أوشن ألرت»، مسحها الشامل على أمل تحديد المكان بدقة. وكانت المدمّّرة الأميركية «يو اس اس راميدج» العاملة مع القوات البحرية اللبنانية والدولية قد التقطت مساء الأربعاء إشارات بثّها الصندوق الأسود وتمّ على أساسها تحديد منطقة المسح. ورغم عدم القدرة على رصد أعمال المسح بالعين المجردة من البر، فإن العديد من الإعلاميين تجمّعوا على طول الشاطئ المحاذي للمطار بهدف التقاط أي خبر جديد. لكن البحر لم يرجع أحداً، كل ما كان يرميه أجزاء من حطام الطائرة والمزيد من المقاعد وسترات نجاة جمعها فريق الدفاع المدني. ويقدر الخبراء أن بقية الجثث غرقت مع هيكل الطائرة لكونها مربوطة بأحزمة الأمان. وشهد مطار رفيق الحريري الدولي، أمس، اجتماع عمل برئاسة المدعي العام للتمييز القاضي سعيد ميرزا في المديرية العامة للطيران المدني، حضره عدد من المسؤولين والضباط اللبنانيين، إضافة إلى الأعضاء الأجانب في لجنة التحقيق المشتركة. وبحسب بيان صدر بعد الاجتماع، تم وضع خطة عمل موحدة للأيام المقبلة سواء كان لجهة حفظ الأدلة (حطام وأمتعة) أو لجهة التحاليل المخبرية للحمض النووي، أو لجهة التشريح بالنسبة إلى جثث طاقم الطائرة فقط، على أن تتخذ اللجنة من المديرية العامة للطيران المدني مقراً لها، وقد أعطيت حق استيضاح من تشاء من العاملين في المطار أو خارجه بعد التنسيق لجهة التبليغ مع قيادة جهاز أمن المطار. ويعتبر الملحق الثالث عشر لاتفاقية الطيران المدني الدولي (ايكاو) وثيقة مرجعية للتعاطي في مسائل التحقيق بحوادث سقوط الطائرات. ويحدد هذا الملحق حقوق الدول التي يجوز لها المشاركة في التحقيق ومسؤولياتها، وهي الدولة التي يقع فيها الحادث (لبنان) ودولة التسجيل ودولة المشغل (إثيوبيا) ودولة تصميم الطائرة ودولة صنعها (الولايات المتحدة الأميركية). وكان لبنان قد طلب انضمام فرنسا إلى اللجنة، علماً بأنه يحق لها وفقاً لاتفاقية (ايكاو) أن تشارك لكون زوجة السفير الفرنسي في لبنان هي واحدة من ضحايا الطائرة. وليس معلوماً ما إذا كانت سوريا والعراق وبريطانيا وغيرها من الدول التي لديها رعايا على الطائرة، قد طلبت الانضمام إلى اللجنة. وقد أكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن الفريق الإثيوبي هو الذي أصرّ على مطلب التحقيق مع العاملين في المطار، لكونه منزعجاً من الفرضية التي تحدثت عن مخالفة الطيار للتعليمات التي أعطيت له من برج المراقبة. وكان عدد من المسؤولين اللبنانيين قد أفاد بأن الطيار الإثيوبي الذي يتمتع بخبرة 20 عاماً، لم يلتزم توجيهات برج المراقبة بعيد إقلاعه في جو عاصف للغاية. وتفيد المعلومات بأن الرئيس السابق للمكتب الفرنسي للتحقيق في حوادث الطيران بول لوي أرسلانيان (شارك في تحقيق طائرة كوتونو عام 2003)، سيقوم بالدور الرئيسي في التحقيق الجاري، وليس مستبعداً أن يحدث اختلاف في وجهات النظر بينه وبين الفريق الإثيوبي أو اللبناني. ما يرجح هذه الفرضية سجل أرسلانيان في أكثر من حادثة، والتي خلص فيها إلى مسؤولية قائد الطائرة. فأثناء تحقيقه في حادث سقوط طائرة البوينغ 737 التابعة لشركة فلاش إير المصرية، في الثالث من كانون الثاني 2004، تناقض تقريره مع التقرير المصري الذي رجح فرضية العطل الفني في الطائرة. وفيما يجمع المحققون على أن المعلومات المخزّنة في الصندوق الأسود وصندوق تسجيل أحاديث قمرة القيادة، هي التي تحسم الفرضيات، فإن التحقيقات في الحوادث السابقة تشير إلى أن العثور على الصندوق الأسود ليس نهاية المطاف. ويعدّ وجود محقّقين لبنانيين على متن الباخرة التي ستنتشل الصندوق الأسود أمر بالغ الأهمية، وليس معلوماً ما إذا كان هذا الأمر قد نوقش خلال اجتماع المطار أمس، علماً بأن المهم ليس وجود هؤلاء شكلياً، بل في إعطائهم صلاحية الاطلاع على عمل السفينة بالتفصيل، لتفادي اتهامات لاحقة بإخفاء أدلة، على غرار ما قامت به اليمن ضد فرنسا في حادثة طائرة «إيرباص 310 ـ 300» التي سقطت في ٣٠ حزيران ٢٠٠٩. تجدر الإشارة إلى أن أرسلانيان قدّم تقريراً فنياً عن التحقيق في حادثة طائرة كوتونو أواخر عام 2004، لكن التقرير النهائي لم يظهر إلى اليوم.