عمر نشّابةليست من بين وظائف المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان مساءلة القضاء اللبناني على ما حصل خلال توليه التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري كما يؤكد أرفع المسؤولين فيها. لكن الرئيس أنطونيو كاسيزي كما قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين يؤيدان حقّ الضباط الأربعة وغيرهم ممن يعتبر نفسه مظلوماً بسبب إجراءات اتخذتها السلطة المختصّة في مقاضاتها، ويشرح مقرّبون منهما أن المحكمة الخاصة بلبنان ليست الآلية المناسبة لذلك، إذ إن نظامها الأساسي المرفق بقرار مجلس الأمن الدولي 1757 لا يتضمّن مساءلة القضاء اللبناني أو محاسبته. ويقترح أحد كبار المسؤولين في لاهاي: «إذا كانت الحكومة اللبنانية ترغب في تولي المحكمة مراجعة قانونية إجراءات التحقيق التي سبقت إطلاق المحكمة فيمكنها أن تطلب من مجلس الأمن الدولي تعديل القرار 1757». ويتابع بالإيحاء بأن تأليف حكومة وفاق وطني ربما يسمح باتخاذ اللبنانيين موقفاً موحّداً من هذه القضية العدلية. «المحكمة خاصّة بلبنان وبالتالي فعلى اللبنانيين أن يقرّروا ماذا يريدون ولن نتورّط في أية تجاذبات داخلية بينهم».
أما رئيس قسم العلاقات العامة في المحكمة الكندي بيتر فوستر فقال لـ«الأخبار» إن «المحكمة لن تعلّق على ما يرد عن اللواء جميل السيّد». وجاء كلام فوستر في رسالة إلكترونية جوابية على ما نشر أخيراً نقلاً عن المدير العام السابق للأمن العام الذي احتجز تعسّفياً لنحو أربع سنوات في قضية اغتيال الرئيس الحريري.
وشرح مسؤول في المحكمة أن القضية «تبدو قضية لبنانية داخلية، وقد يتبين أن لا علاقة لاعتقال الضباط في قضية اغتيال الحريري لكن كان التحقيق فيها مناسبة لتصفية حسابات داخلية». وأضاف المسؤول عبر الهاتف من لاهاي «إن البعض يعتبر أن المتورطين المحتملين في تقديم معلومات تبين لاحقاً أنها غير صحيحة هم ضالعون تلقائياً في جريمة اغتيال الحريري أو هم على علم بمرتكبيها، لكن ذلك ليس حتمياً بحسب معايير التحقيق المهنية».
على أي حال، لا شكّ بأن التثبت من تفاصيل «التزوير» يتطلّب حسماً قضائياً وأن ما ورد في قرار القاضي فرانسين ليس كافياً لإثبات التزوير، وهنا تكمن المشكلة الأساسية. فمن هي الجهة المخوّلة إثبات التزوير ومحاسبة المسؤولين عن سجن أشخاص في لبنان بناءً عليه؟
لا يمتلك معظم المسؤولين الدوليين الذين ناقشت الأمر معهم «الأخبار» جواباً عن هذا السؤال، لكنهم يؤكدون على أمرين: أولاً أن وظيفتهم لا تشمل تحديد الجهة المخوّلة التحقيق في هذه القضية؛ وثانياً أن هذا الشأن لبناني، بحيث إن أساسه وحيثيتاته يدلّان على تجاذبات حادّة بين جهات لبنانية. لكن السلطات القضائية اللبنانية تكرّر رفضها حتى التداول بالأمر، فالملف بحسبها، «خرج من بين أيدينا وأصبح من اختصاص المحكمة الدولية حصرياً». للسلطة السياسية في لبنان إذاً، بحسب المسؤول الدولي، دور محوري في تحقيق العدالة. فالسلطة السياسية هي التي طلبت أصلاً من مجلس الأمن الدولي إنشاء المحكمة الدولية والحكومات المتعاقبة التي شاركت وتشارك فيها كلّ القوى السياسية اللبنانية التي عبّرت مراراً وتكراراً في بياناتها دعمها لعمل المحكمة بحسب نظامها المرفق بالقرار 1757. وكون القضية بيد السلطة السياسية لا يعني أن المحكمة مسيّسة لكن إنشاءها وتوسيع اختصاصها شأن سياسي كما كان قد أكّد كاسيزي لـ«الأخبار» سابقاً.
إشارة إلى أن «المخرج» الذي يتمثّل بإحالة المسألة إلى السلطة السياسية لا يخلو من تعقيدات وعقبات جمّة. فمثلاً تحريك وزير العدل التفتيش القضائي للتدقيق في قانونية احتجاز أشخاص في القضية خلال الفترة السابقة لانطلاق المحكمة يتطلّب مراجعة مضمون ملف التحقيق. لكن هذا الملف انتقل إلى لاهاي، ما سيتطلّب تعديل نظام المحكمة بحيث يسمح باطلاع التفتيش القضائي على إجراءات التحقيق السابقة. رداً على ذلك قال المسؤول الدولي: «عندما تتوافر الإرادة اللبنانية الجامعة يمكن تخطي كلّ العقبات». لن يثني ذلك البعض من الإصرار على مسؤولية المحكمة الدولية في محاسبة «شهود الزور» رغم أنه بحسب المسؤولين الدوليين، «لا أساس قانونياً أو مهنياً لمطالبة المدعي العام الدولي دنيال بلمار بالتحقيق مع الذين تقدموا بإفادات إلى لجنة التحقيق الدولية تبين لاحقاً أنها غير صحيحة» وذلك للأسباب التالية:
أولاً إن نظام المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان لا يمنح المدعي العام الصلاحية القانونية للتحقيق في عمل لجنة التحقيق الدولية. فلا بدّ من التذكير بأن اللجنة عملت بحسب قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1595 الذي نصّ على أن وظيفتها «مساعدة السلطات القضائية اللبنانية»، ولم تكن اللجنة إذاً صاحبة القرار في احتجاز أشخاص أو في إطلاقهم منذ 2005 حتى موعد انتقال الاختصاص القضائي إليها.
ثانياً لا علاقة للمحكمة الدولية بقضية احتجاز الضباط الأربعة خلال الحقبة السابقة، فهذه قضية لبنانية داخلية، ربما للوضع السياسي المحلي علاقة ما «لكن هذا أمر لا يمكننا حتى التعليق عليه». فالسلطات القضائية اللبنانية المختصّة هي التي أصدرت أمر توقيف الضباط وقرّرت الاستمرار فيه لنحو أربعة أعوام. وكانت تقارير لجنة التحقيق الدولية قد نشرت أن رئيس اللجنة أعلم تلك السلطات بموقفه بشأن الأشخاص المحتجزين. «لكن ذلك الرأي هو ملك للقضاء اللبناني الذي يحقّ له وحده الكشف عنه. ونعيد ونذكّر بأن اللجنة كانت تعمل تحت سلطة القضاء اللبناني قبل موعد انتقال الاختصاص» إلى المحكمة الدولية.
ثالثاً إن مكتب المدعي العام الدولي ليس ملزماً باعتماد التحقيقات التي أجريت قبل انطلاق عمل المحكمة الدولية. لا من لجنة تقصي الحقائق ولا من القضاء اللبناني ولا حتى من لجنة التحقيق الدولية.