ضحى شمسكيف نقنعهم؟ ما الذي يجب أن نفعله ليفهم اللبنانيون والعرب مخاطر تغير المناخ عليهم؟ وهل هناك أوضح من تقرير «أثر تغير المناخ على البلدان العربية» الذي نشرناه الأسبوع الماضي؟ من قرأ التقرير ارتعدت فرائصه. فالوصف مرعب، حتى لمن ليست لديه أي مخيلة.
يتنبأ التقرير بانهيار القطاع السياحي في لبنان، ليس لأن لبنان سيثوب إلى رشده الزراعي، لا سمح الله أو الفينقيون، بل لارتفاع حرارته، وهو مؤشر، كما يعلم أي كان، لا يطمئن إلى الصحة. السياحة الخليجية الشتائية التي برزت أخيراً، ستتحول إلى وجهات أخرى، أما البحار التي يرتفع منسوب مياهها لتسارع ذوبان جليد القطبين، فستجعل قرب البحر من الجبل، الذي لطالما تغنت به الكتب المدرسية، أقرب بما لا يطاق، لكونها ستبتلع بالتدريج مدن الخط الساحلي: من العريضة شمالاً إلى الناقورة جنوباً مروراً بطرابلس وجبيل والمعاملتين وسائر «المعاملات» السياحية الأخرى.
بكلام آخر، ستغمر المياه ما ارتفاعه تحت المئة متر عن سطح البحر. بيروت أيضاً، والسوليدير، والجميزة والضاحية «بعزاها»، لا فرق بين 8 أو 14 إلا بالارتفاع عن سطح البحر. سيعود أولاد القرى القاطنون أحزمة بؤس العاصمة إلى قراهم. سيتدرج الأمر على مدى بضع مئات من السنين، إن صدقت توقعات العلماء، وهم للمناسبة، فوجئوا بأن ما قدروا ذوبانه بمئة أو مئتي سنة، لم يستغرق إلا 30 سنة فقط!
ستتغير خارطتنا عند الساحل. جزر المحيط الهندي التي بدأت تغرق (300 مليون نسمة يخطط لنقلهم إلى أماكن أخرى) ليست إلا سيناريو أولياً لما سيحصل في أجزاء كثيرة من العالم إذا ثابر هذا العالم على جنونه. خط الساحل الجديد سيمر من الشمال إلى الجنوب «بالمدن» التالية: تلّ كري، حلبا، مرياطة، كوسبا، راشانا، بلاط، غزير، بعبدا، عرمون، دميت، سبلين، عبرا، زفتا، أنصار، دير قانون وصولاً إلى علما الشعب. وبما أننا أمام خارطة مفتوحة، يجب أن نفكر أين ستكون العاصمة، بدلاً من بيروت الغارقة. فهل ستكون عرمون مثلاً؟ أم تنتقل إلى المدن الداخلية التي لا يطالها البحر مثل بعلبك أو زحلة؟ ستتغير تبعاً لذلك خارطة الوجود السياسي والاقتصادي. سيدفع لبنان ثمن «مركزيته» الغارقة لأنه وضع كل بيضه الإداري في مكان واحد. ثم أين سيذهب سكان بيروت؟ هل يهاجرون على عجل ليصبحوا حزام بؤس.. لعرمون مثلاً أو ..الهرمل؟ إن في الأمر شيئاً من الانتقام العادل! أو ربما دير القمر؟ حلوة دير القمر كعاصمة أليس كذلك؟ مع دوري شمعون خاصة! هذه الصورة وحدها عليها أن تدفع اللبنانيين إلى احترام البيئة. علينا أن نفكر بعلمٍ جديد أيضاً للدولة الجديدة «الناجية»، انسوا الأرز الذي توقع له التقرير، كما لـ40% من جميع الأنواع في العالم العربي، الانقراض! يبدو أن البلوط، أكثر قدرة على التكيف مع المستجدات. بكل الأحوال نشيده حاضر وبصوت الشحرورة صباح.
هل نبالغ؟ لا شك، ولكن هل يبالغ التقرير حين يتوقع للبنان أن «يصبح وجهة هامشية أو غير مؤاتية للسياحة بحلول سنة 2080»، يعني بعد 70 عاماً فقط! لن تلحقوا حتى أن تقرروا الإحجام عن الإنجاب. خلص. من ضرب ضرب ومن هرب هرب.
منذ سنوات عديدة يتسلى مراسلو المناطق بإرسال صور تفتح زهر اللوز أبكر بشهر أو أكثر عن ميعاده. لا أجمل من شجرة مشتعلة بألوان الزهر، لكن جمال الصورة يخفي حقيقة مخيفة: تعني أن الكوكب «يتكتك» على نار هادئة، وأن حرارته ترتفع، بدون أن نحسّ، أو نحسّ، لكننا لا نفهم، لا نتخيل. كأن الكوكب خالد وليس حياً. كأنه سيكمل إلى الأبد ما كانه منذ الأزل. يصيبنا تماماً ما أصاب ضفدعاً وُضع في ماء يغلي فقفز صارخاً، ثم وضع في مياه باردة وأوقدت النار تحته، فلم يشعر بالسخونة تتدرج ارتفاعاً، فمات مسلوقاً، وهي ميتة غير صحية، ولو كانت مسلوقة.
ماذا نفعل؟ ليس بيدنا في الحقيقة الكثير، وخصوصاً أننا لسنا كبار الملوثين، لسنا من «فخت» طبقة الأوزون بمداخن مصانعنا التي لا تهدأ، لكننا الناحية الأخرى للصورة: نحن المستهلكون. بل أسوأ أنواع المستهلكين: الشرهين، البلا عقل. أخبروني: لماذا أريد في هاتفي الخلوي: فيديو ومسجلة وكاميرا وإنترنت وفاكس والخ.. ما دام عندي في البيت: فيديو وحده، وكاميرا وحدها ومسجلة وإنترنت وفاكس؟ تتسارع عجلة التصنيع في البلدان الصناعية الكبرى على وقع تزايد الاستهلاك، وهو استهلاك صار جنونياً في الفترة الأخيرة. من هنا نستطيع التفكير ببدائل. بكيف أن تشجيع الصناعة المحلية والزراعة يوفر في الطاقة. الوردة الآتية من حقل هنا، تكلف البيئة أقل بكثير من وردة تأتي من مشاتل السعودية أو هولندا. علينا أن نفكر بطريقة أخرى للعيش، طريقة لا تعصر خيرات الكوكب ليستهلكها الناس في بضعة قرون. فهل نكون على قدر التحدي؟ تدهور مستوى الطبقة السياسية المستمر لا يوحي بالتفاؤل. أما اللبنانيون فالأرجح أنهم سيجدون حلولاً من نوع: فيزا إلى الهملايا، أو اعتماد خبرتهم في تبليط البحر.