خالد صاغيةبدأ الرئيس سعد الحريري إذاً لقاءاته الرسمية باجتماعات موسّعة من أجل تحسين أمور السير في لبنان. وهو حتماً ليس المسؤول الأوّل الذي يختار لمشواره الحكوميّ أن يبدأ من السير. لقد سبقه إلى ذلك عدد من الوافدين الجُدُد إلى عالم السياسية، ومِنهم مَن بدأ بتنظيم السير وانتهى بتدمير مخيّمات الفقراء. مع كلّ موجة تغيير، يكون اللبنانيّون على موعد مع «حزام الأمان». تستنفر الدولة أجهزتَها لفرض حسن القيادة على مواطنين خارجين لتوّهم من جولة نزاع أهليّ، قبل أن تعود الأجهزة نفسها لتصبح رمزاً لا يضاهى لمخالفات السير. كان ذلك قبل أن تتوافر لقوى الأمن الداخلي سيّارات لا يصلح حجمها لطرقاتنا، ولا تصلح خزّاناتها لموازناتنا.
يُراد فجأةً لشرطيّ السير أن يصبح عنواناً للدولة الغائبة، وللإشارات الضوئيّة أن تحلّ محلّ الدستور المغيّب، ولضبط المخالفات أن يصبح مورداً للخزينة بدلاً من ضريبة الدخل التي عرفت الشركات الكبرى كيف تُعفى منها.
مسؤوليّة كبرى تُلقى فجأةً على عالَم السَّيْر. وهو عالَم جذّاب بالنسبة إلى المسؤولين الجدد لكونه يمسّ الحياة اليوميّة لكلّ مواطن، ولكلّ منطقة، فهو إذاً «ربّيح» شعبياً. وغالباً ما يُربَط التزام السائقين بالقوانين وتنظيم السير بصورة البلاد «الحضارية». وهذه الكلمة الأخيرة كفيلة وحدها بإثلاج صدور اللبنانيّين وعُقَد نقصهم. وهو أيضاً عالَم لا علاقة لطائفة محدّدة به، أو بالوقوف في وجه الحلول المطروحة له. شؤون السير هي واحدة من المساحات المدنيّة التي لا يمكن ردّها إلى طائفة ما. لم تُنشَر إحصاءات تكشف مثلاً أنّ السنّة أكثر عرقلةً للسير من الشيعة، أو أنّ المسيحيّين هم الأكثر التزاماً باستخدام حزام الأمان...
للوهلة الأولى، يسود وهم أنّ الحلول لمشكلات السير لا علاقة لها هي الأخرى بالتعقيدات السياسية والطائفية، أو بالخلافات على البرامج الاقتصادية. لكنّ الواقع غير ذلك. فلدى النظر إلى إمكان اجتراح حلول جذرية، تلوح مشاكل النقل العام والباصات الخاصة والاستملاكات... إلخ، لتعيدنا إلى المربّع الأوّل: طائفية، محسوبيات، فساد ومصالح احتكارية...
لكنّ الصورة التذكاريّة للمسؤول السياسي لا تنتظر بلوغ هذه المرحلة. الصورة التذكارية تحتاج إلى دقائق وحسب. بعد ذلك، يمكن المواكبَ الرسميّة أن تفتح كلّ الطرقات متى تشاء. ومن وراء الزجاج الأسود، يمكن مراقبة عجقة السير، كمن يتفرّج على فيلم تجري أحداثه في «لبنان أوّلاً».