تلوّث البداوي ملف على قائمة أولويات المجلس البلدي الذي يتحمل مسؤولية أكبر منه من دون أن يلقى مساعدة جدية من الوزارات المعنية
البداوي ــ عبد الكافي الصمد
مصفاة البداوي. كلمتان تمثّلان محور عشرات المذكرات التي تعاقب رؤساء بلديات هذه البلدة على إرسالها إلى الوزارات والإدارات المعنية لمعالجة مشكلة التلوّث الناجم عن دمار منشآت المصفاة خلال سنوات الحرب. نهاية لم تكن متوقعة لـ«النعمة» التي اعتبر أهالي بلدة البداوي، والتي حلّت عليهم أواخر الأربعينيات، عندما اختيرت بلدتهم كي تبنى على أراضيها منشآت نفط طرابلس لاستقبال أنابيب النفط المقبلة من العراق. ففي أعقاب السنوات الأولى لبناء المنشآت، شهدت البداوي فورة عمرانية واقتصادية لافتة، نتيجة نزوح عائلات شمالية وغيرها للإقامة فيها، إلا أن حالها تغيّرت رأساً على عقب بعد سنوات مع انطلاق شرارة الحرب الأهلية عام 1975، والدمار الكبير الذي لحق بالمنشآت مطلع الثمانينيات نتيجة الأحداث الأمنية التي شهدتها المنطقة وانعكاسات ذلك بيئياً على محيطها. فإلى جانب منشآت النفط التي تبلغ مساحتها نحو مليون ونصف مليون متر مربع وتحتلّ أغلب الواجهة البحرية للبداوي، شهدت البلدة في السنوات التالية إنشاء مؤسسات صناعية صغيرة ومتوسطة وتوسّعها، مثل معامل الزجاج والألمنيوم والحديد ومحطات تعبئة الغاز، ما جعلها تمثّل زيادة إضافية للتلوث إلى جانب المنشآت التي تعتبر «المصدر الرئيسي للتلوّث في البداوي»، على حد قول رئيس بلديتها ماجد غمراوي (الصورة)، الذي يلفت إلى «وجود نهر من المخلفات النفطية فيها يصب في البحر، وحفر كبيرة أمام الخزانات تتكدّس فيها الرواسب النفطية جراء عمليات التنظيف المتكررة للخزانات». الانعكاس البيئي للدمار الذي لحق بالمنشآت، أصاب البداوي بأضرار مباشرة أبرزها وفق غمراوي «تفتيت التربة وتشويه سطح الأرض وتدمير الغطاء النباتي والحياة البرية، وانسياب مياه الأمطار إلى الحفر». موضحاً أن «تلوث التربة بمخلفات النفط له أضرار كثيرة، أبرزها تسرّبه إلى عمق الأرض، ما يؤدي إلى تلوّث المياه الجوفية بالنفط». هذا الأمر رتّب على البلدية مسؤوليات كبيرة يقر الغمراوي أن «لا قدرة لها على مواجهتها وحدها، وجعل الجانب البيئي والصحي يحتل حيزاً كبيراً من اهتمامنا وإمكاناتنا المتواضعة، برغم وجود حاجات ومتطلبات ملحة أخرى في البلدة، التي لا نلقى لمعالجتها من الجهات الرسمية والخاصة اهتماماً كافياً». إذاً، هذا الملف يقع على رأس أولويات بلدية البداوي «التي حاولت في السنوات الماضية الحدّ من التلوث البيئي، من خلال الاستعانة بأساليب عدة لإذابة التلوث النفطي أو إزالته على مراحل، إما بالحرق أو استعمال ما يسمى بالمواد المدماصة». وقد اعتمت البلدية هذه الأساليب مستعينة بجملة اقتراحات عرضت عليها كحلول «من هيئات محلية وأجنبية تعنى بالجانب البيئي، بعدما عرضنا على وزارات البيئة والطاقة والصناعة تحديداً معاناتنا، وعدم قدرتنا على معالجة قضية كهذه لأنها تحتاج إلى جهود وزارات وإمكانات كبيرة لاحتوائها»، يشرح غمراوي. ليست البلدية وحدها من حاول الحلّ، فمع غياب الاهتمام الرسمي، استعان الأهالي بالقش ونشارة الخشب والقطن والحبال وغيرها كوسائل بدائية متوافرة. لكن غمراوي يرى أن «أفضل الطرق للحدّ من التلوث هو معالجة المخلفات النفطية قبل رميها»، مشدّداً على «التعاون مع الجهات المعنية للاستفادة من خبراتها في هذا المجال»، داعياً إلى «سنّ قوانين وتشريعات تفرض على أصحاب الصناعات إيقاف نسبة التلوث أو خفضها للحفاظ على البيئة».