لور شدراوري*«كانت معي في الغرفة جثث مقطوعة الرأس. جعلوني أنام بجوار الجثث. أحضروا رجلاً وذبحوه أمامي. تخيلي أنني سمعت صوت السكين تحز رقبته. لماذا ذبحوه؟». عبارات يقولها كريم (39 عاماً) بصوت متقطع، وعيناه شاخصتان إلى النافذة. الشاب العراقي كان قد هرب عام 2005 من بلده الى لبنان، حيث تزوج امرأة لبنانية وأنجبا طفلة. عاد مضطراً إلى العراق ليبحث عن أخيه المخطوف. وعند وصوله، وجد أن رجال إحدى الميليشيات قد احتلوا منزله واقتادوه سجيناً لديهم. علقوه من السقف وكووا ظهره بسيخ حديدي ملتهب. يتحدث اليوم عن تجربته المؤلمة، بعدما أرسلته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى مركز «ريستارت» لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في بيروت.
وصل إلى لبنان. تحول اللاجئ، الى شخص دائم الشك والخوف. بات مقتنعاً بأن كل من حوله «يتجسّس عليه في مؤامرة محوكة ضده لتسليمه مجدّداً الى أعدائه». صار كذلك بعدما تعرض لأشكال من التعذيب «تفوق كل تصور على أيدي ميليشيات مسلحة في العراق». كريم اليوم برعاية مركز «ريستارت»، الذي بدأ عمله عام 1996، وتقوم المفوضية بتمويله منذ عام 2007. ويضم المركز أطباء ومعالجين نفسيين، واختصاصيين في العلاج الطبيعي ومرشدين اجتماعيين، فبات اليوم يقدم الرعاية لأكثر من 800 لاجئ.
من جهتها، تنظر مديرة مركز «ريستارت» سوزان جبور إلى التعاون مع المفوضية كـ«نقطة تحول في عملنا، حيث جعل نطاق الرعاية المتخصصة التي نقدمها أوسع، وأعطانا واجهة في المحافل الدولية، كما سلط الضوء على خبرتنا واحترافنا في تقديم الخدمات».
بدورها، تشير الطبيبة النفسية سناء حمزة، وهي من مؤسسي المركز، إلى أن اللاجئين الذين ينجون من التعذيب يحتاجون إلى الرعاية الدائمة من أجل أن يتمكنوا من التعامل لا مع الماضي فحسب، بل مع الحاضر أيضاً. أما بالنسبة الى كريم، فذلك يعني التغلب على خوفه عند رؤية رجال الأمن في شوارع بيروت.
كريم اليوم على طريق الشفاء، وعند الحديث معه في كنف المركز يردّد قائلاً: «لقد حطموا ذاكرتي ومحوا عنها الكثير، هذا هو المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالأمان. أتعلمين أني كنت إذا رأيت سكيناً أو درابزيناً أو سيخ حديد، أرتعب وأرتجف من الخوف؟». قُبل كريم لإعادة التوطين في الولايات المتحدة الأميركية، والآن يأمل أن يتمكن من بدء حياة جديدة هناك. «عندما أذهب إلى هناك، أريد أن أكون شخصاً جديداً.
* المفوضية العليا للاجئين UNHCR