في عام 1951، كان مبلغ 600 ألف ليرة كافياً لإطلاق ورشة بناء الجامعة اللبنانية. جامعة أجبرت دماءُ طلابها الدولةَ على إنشائها. في ذكرى تأسيسها الثامنة والخمسين، يبدو التذكير بحركتها الطالبية، التي تتشتّت اليوم، ضرورياً. هنا شهادة عن ذلك الزمن المتأجّج، من أحد أهله
محمد محسن
يروي مقرّبون من الشهيد فرج الله حنين، أنّ ثمة فراشاً كان محجوزاً باسمه في السجن. ليس في الأمر ما يعيب الشهيد الأوّل للجامعة اللبنانية، وخصوصاً أن السبب وراء دخوله الزنازين كان تصدّره تظاهرات الطلاب المطلبية، قبل أن يُستشهد على أثر إصابته بجروحٍ بالغة في إحداها (02/02/1951). حنين هو أحد نماذج الرعيل الأول لطلاب الجامعة اللبنانية، مع أنّه كان ابن جامعة القديس يوسف. ففي خمسينيات القرن الماضي وستينياته، كان للحركة الطالبية «خبطة قدمٍ هدّارة»، ولو كلّف ذلك تكاتف حزب الكتائب مع الحزب الشيوعي، وحصار مجلس النواب لإرغام أعضائه على تشريع قوانين تصب في مصلحة الجامعة. فقد كانت هموم الطالب ومصالحه هي محور تحركات الهيئات الطالبية، التي شرذمتها اليوم الصراعات السياسية، فلم تعد تتّحد على شيء تقريباً.
«90% من المطالب تنتظر تحركّكم يا أهل الجامعة». قالها الدكتور حسن مشرفية، عميد كلية العلوم، في ستينيات القرن الماضي. كان يدرك مكافحة الجامعات الخاصة، بمساعدة بعض أركان الدولة، لمسيرة تقدّم الجامعة الوطنية. تلميذه، الأستاذ إميل شاهين، ينطلق من واقع الجامعة المتردّي حالياً، ليتحدّث عن يوميات الحركة الطالبية. في جعبته أخبار كثيرة، تُبرز الفارق بين الحركة الطالبية حينها، وتحرّكات مجالس فروع الطلاب حالياً. فيومها، كانت هموم الطلاب بعيدةً عن السياسة، رغم أن الجامعة اللبنانية مثّلت سابقاً واحة خصبة للعمل السياسي، ولكن الهموم المطلبية الأساسية التي شغلت الطلاب في ذلك الوقت كانت تتعلق بأنظمة التعليم، إنشاء مدينة جامعية، إضافة كلياتٍ جديدة، وما إلى هنالك، بينما يجد طلاب اليوم صعوبة في الاتفاق على هم مطلبي واحد، اللهمّ إلا ذاك المتعلق بتطبيق نظام LMD!
من جملة ما يذكره شاهين، دخول الدكتور حسن مشرفية إلى المحكمة العسكرية، وصراخه بوجه الرائد الذي ضرب الطالب إميل شاهين وأدمى فمه. حينها، رفض مشرفية إعادة فتح أبواب الجامعة قبل إصدار قانون «حصانة الجامعة» لمنع قوى الأمن من اقتحامها. لم يصدر القانون، لكن الرئيس فؤاد شهاب قال حينها في ما يشبه الموافقة على المطلب «حصانة الجامعة كحصانة الكنيسة». إثر ذلك، أرسل شهاب ثمانية ضباط رفيعي المستوى للاعتذار من مشرّفية وشاهين. وبعد الاعتذار، طلب الرئيس أن يتعرف إلى الطالب شاهين، فلبّى الأخير هذا الطلب. في القصر الجمهوري، مثّل شاهين طلاب الجامعة اللبنانية خير تمثيل. طلب من رئيس دولة المؤسسات «إزالة سيطرة اليسوعية على التعليم العالي، وأن تصبح الجامعة اللبنانية عماد السياسة التربوية في لبنان». وحين تسأل شاهين عن وضع طلاب اليوم، يفاجئك بصورةٍ ألصقها على زجاج مكتبه، وتضم أعمدة الحركة الطالبية حينها بعد إحدى دورات انتخابات الاتحاد العام لطلاب لبنان «نبيه بري، إميل شاهين، فايز القزي وآخرين». وسبب عرضه لصورة الطلاب وهم يتناولون الغداء في ما يشبه الحفلة، هو لإظهار الفارق بين طلاب الأمس، وطلاب اليوم، الذين «حالما يفوزون بالانتخابات، يتوجّهون مباشرةً إلى زعمائهم ويهلّلون لهم». كان كل وقت شاهين للجامعة اللبنانية. هو عيّنة من طلابها القدامى. ولمن لا يعرف، مجمع الحدث الجامعي هو حصيلة مطالباتٍ كان شاهين من الطليعيّين في عرضها منذ عام 1961. هذه حال الجامعة اللبنانية مع دولتها. هي ليست في حسبانها دائماً، ومن أراد مطلباً لها، فلابنه أو حفيده أن يفرح بتحقيقه.


أغاني فيروز سبباً للتحرك

قبل دراسته الرياضيات في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، كان لاميل شاهين رحلة صعبة في المدرسة الحربية، التي أُبعد عنها نتيجة نشاطه السياسي مع الحزب الشيوعي. وأثناء عمله في إذاعة لبنان الرسمية «كتبت سطرين إضافيّين تعاطفاً مع تظاهرةٍ عمالية، قلت في نهاية الخبر إن الدولة ستتجاوب مع المطالب»، وهو ما أزعج أركان الدولة حينها، فأزاحوه عن مهنته. لا ينسى شاهين كيف تصدّر تظاهرةً لطلاب الجامعة اللبنانية، للمطالبة بإعادة أغاني السيدة فيروز إلى الأثير، بعد منعها جرّاء رفضها الغناء في استقبال الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة. يبتسم شاهين قائلاً «لو ما كنت عم بسمع صوت فيروز بأذني وتأكدت إنو رجّعوا أغانيها، ما كان في نية نفك الإضراب بساحة رياض الصلح».