لو صحّ وأصبحت «المطاعم بلا تدخين» في الضاحية، كما تحلم الهيئة الصحية الإسلامية صاحبة الشعار، فإن الخبر سيكون ساراً لغير المدخنين، ممن يفرض عليهم استنشاق ما يزفره المدخنون من سجائر، أو حتى أراكيل، في العمل ووسائل النقل العامة والخاصة والمؤسسات السياحية. لذلك استطلعت الهيئة لأسابيع مدى تجاوب المطاعم، وستطلق حملتها الرسمية بداية السنة
منهال الأمين
قد تتفاجأ، وأنت تهم بدخول أحد مطاعم الضاحية الجنوبية، بموظف الاستقبال يسألك مستفهماً «تدخين أم بلا تدخين»؟ ليصطحبك وفقاً لإجابتك إلى الطاولة المناسبة. سيتحقق هذا الأمر إذا عرفت حملة «مطاعم بلا تدخين» التي تنوي الهيئة الصحية الإسلامية إطلاقها، بعدما تحققت من تقبل الأمر لدى أصحاب مطاعم الضاحية، وخصوصاً تلك التي استشرت فيها أخيراً عادة تدخين الأركيلة. وتنطلق الحملة بحسب دائرة مكافحة التدخين في الهيئة ربى فحص، من الرغبة في «تخفيف الضرر عن غير المدخن في المطاعم قدر الإمكان، لأنه فضلاً عن اضطراره لتنشق الدخان المتصاعد من الأراكيل والسجائر، فإن طعامه ولا شك سيتلوث بما يصدر عنها من مواد سامة». ويأتي تحرّك الهيئة، كما أوضحت فحص، في إطار مصادقة لبنان على الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ الموقعة عام 2005، والتي يواجه لبنان إمكانية الإخفاق في الإيفاء بموجباتها، إذ تنص المادة 11 منها على أن تطبق الدول الأطراف «خلال 3 سنوات من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ تدابير فعالة للتغليف والتوسيم» (التبغ) كما تنص المادة 8 على «توفير الحماية الشاملة في غضون 5 سنوات» لغير المدخنين.
نسب مخيفة من التلوث بالدخان تظهرها دراسة أجراها مدير البرنامج الوطني للحد من التدخين، د. جورج سعادة، في مطاعمنا. الدراسة التي استخدمت لقراءة نسبة التلوث في عدد من المطاعم اللبنانية تقنية «معيار نوعية الهواء» (Air quality monitor)، تقول إن المعدل الآمن لنسب التلوث على رئتي الإنسان هو 12 ميكروغراماً بالمتر المكعب، فيما تبين أن المعدل العام في مطاعم العينة هو 309 مغ بالمتر المكعب، ما يؤدي إلى أضرار جسيمة بالجهاز التنفسي. في المقابل، لوحظ أنه في المطعم الذي يتبع سياسة منع التدخين، كانت نتيجة التلوث 6 مغ بالمتر المكعب. وفي خيمتين رمضانيتين، كانت النسبة بعد الإفطار أكثر من 6 آلاف مغ بالمتر المكعب!
وترى فحص أن «الحد من التدخين في المطاعم قد لا يحمي المدخّن السلبي، بسبب عدم وجود قيود قانونية أو عرفية على المدخن، إلا أن هذا الإجراء سيدعم تقبل القانون وتطبيقه في حال إقراره». ففي عام 1994، صدر قرار وزاري يحظّر التدخين في الأماكن العامة، ولكنه لم يُقرن بأية آليات تطبيقية أو نظام عقوبات وغرامات، فظلّ حبراً على ورق. وفي عام 1996، تقدم البرنامج الوطني لمكافحة التدخين والنائب عاطف مجدلاني من مجلس النواب باقتراح قانون «يرمي للحد من التدخين وتنظيم صنع منتجات التبغ وتغليفها ودعايتها»، وتضمن الفصل السادس منه نظام عقوبات تفصيلياً، فصادقت عليه لجنة الصحة العامة والشؤون الاجتماعية، إلا أنه بقي في أدراج المجلس النيابي، ويجري العمل حالياً على إعادة إحيائه، وفق ما أوضحه لـ«الأخبار» د. جورج سعادة، الذي رجّح وجود أسباب سياسية تحول دون إقرار مثل هذا القانون، بسبب تضرر شركات الإعلانات منه «وكلنا يعلم ما لهذه الشركات من تأثير سياسي ضاغط». ورأى أن القانون يجب أن يقر متكاملاً، لأن «وسائل الردع» ضرورية لإنجاحه.
ولكن هل تتوقع الهيئة الصحية التجاوب من أصحاب المطاعم مع هذه الحملة، مع ما يعنيه هذا من فقدانهم أحد عناصر جذب الزبائن، أي الأركيلة؟ ترد فحص بأن «المهمة ليست سهلة، ولكنها أيضاً غير مستحيلة»، فنتائج الاستمارة التي وزعتها الهيئة على المطاعم للوقوف على نسبة المتجاوبين «كانت مفاجئة، فنحن عرضنا خيارات متعددة على أصحاب المطاعم لئلا يشعروا بعبء المشاركة، هي: فصل أماكن التدخين، عدم السماح لمن هم دون الثامنة عشرة بشراء الأركيلة، تخصيص يوم واحد في الأسبوع من دون تدخين، وضع تحذير إما على قائمة الطعام أو على الأركيلة نفسها، على أن تتكفل الهيئة نفسها بطبع لوائح جديدة للطعام مع عبارة التحذير. كما اعتمدت آلية لتشجيع المتعاونين، من خلال شهادات تقديرية وانتخاب أفضل مطعم مطابق لشروط الصحة العامة. وهي ستتعاون مع بلديات المنطقة التي تقع المطاعم المستهدفة في نطاقها.

«أسباب سياسية تجارية تحول دون إقرار قانون الحد من التدخين»
وتستهدف الحملة العتيدة ثلاث فئات يؤثر التدخين على نشاطهم اليومي، وهم: أصحاب المطاعم، العمال فيها والزبائن. وقد استُطلعت الفئتان الأولى والثانية، فأجمع المستطْلَعون على أن عملية الفصل في المطاعم بين المدخنين وغير المدخنين، هي الأكثر مقبولية، والأقل ضرراً من الناحية المادية على المطاعم، لأن المشروع يتضمن دراسة جدوى للمطاعم ومردودها «لعدم تقديم الأركيلة ليوم واحد بالأسبوع، ولمدة سبعة أشهر»، فيما نالت الخيارات الأخرى نسباً متفاوتة. أما الفئة الثالثة، فستُستطلع، في مرحلة متقدمة. وقد أظهرت الحملة الاستطلاعية أن 12 مطعماً وافقت على يوم بلا تدخين في الأسبوع حتى الآن. ومن المتوقع أن تنطلق الحملة رسمياً مطلع العام.
ويصف إبراهيم الزايدي، رئيس نقابة المؤسسات السياحية في بيروت وجبل لبنان الجنوبي، الأركيلة والتدخين بالـ«بدعة» التي دخلت على المطاعم، لأن «ثقافتنا اللاسياحية فرضت هذا الخلط بين المقهى والمطعم». ودعا أصحاب المطاعم إلى التجاوب مع الحملة «وطرد الأركيلة» من مطاعمهم «خاصة ذات المساحة الصغيرة، أما إذا كان هناك مساحة كافية، فليُحدّد مكان خاص بالمدخنين». وبما أن «الناس لا تقبل بفرض الأمور عليها فرضاً حتى لو كانت لمصلحتها»، فإن الزايدي حمّل زملاءه من أصحاب المطاعم مسؤولية «توعية الشباب دون 18 سنة لمخاطر هذه الظاهرة التي انتشرت بينهم انتشاراً رهيباً، فيما سابقاً كان الواحد منا يخجل من حمل السيجارة أمام والديه، حتى لو وصل إلى سن الكهولة!».