سيث روبنسون*بعد سنوات من الجمود، بدت المفاوضات حول برنامج إيران النووي المثير للجدل وكأنّها أحرزت تقدماً، بعد موافقة وفد إيراني زار فيينا الأسبوع الماضي على تصدير اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب وتعديله. الجو الإيجابي الذي نتج من ذلك لم يستمر طويلاً. اعترض المسؤولون في طهران وأصرّوا على حاجتهم لمزيد من الوقت لدراسة الاقتراح، وأكدوا أنّهم لا يستطيعون الالتزام بمهلة يوم الجمعة للتصديق على الاتفاق. وفي الوقت نفسه، أصيبت الولايات المتحدة بالخيبة من جراء المماطلة الإيرانية. لم يكن الموضوع مفاجئاً كلياً. فخلال الشهر الماضي، أعلن البيت الأبيض مراراً أنّه يحضّر لمجموعة جديدة من العقوبات إذا فشلت المفاوضات الحالية.
طلبت الولايات المتحدة المساعدة من دول عدّة في تطبيق استراتيجيتها، وخصوصاً روسيا التي أصبحت تلعب دوراً محورياً في المعركة الدائرة حول البرنامج النووي الإيراني. في أيلول الماضي، أحيا الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف الآمال بعدما لمح إثر اجتماع له مع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أنّ الكرملين ربما يكون منفتحاً على فكرة العقوبات الجديدة على إيران. وكانت روسيا، بالتعاون مع الصين، قد اعتبرت لفترة طويلة كفيلة إيران في الأمم المتحدة، ويعتقد عدد من المحللين الأميركيين أنّ التعاون الروسي الجدي ربما يكون الطريق الصحيح لتوافق البرنامج مع المطالب الدولية.
رغم ذلك، تفيد الأحداث بأنّ الثقة الأميركية في قدرة روسيا ورغبتها في حمل العصا والجزرة في الوقت نفسه، قد لا تكون في محلها. بعد زيارة من هيلاري كلينتون، صرّح سيرغي لافروف أنّ «العقوبات والتهديدات بالضغط ستكون نتيجتهما عكسية». فلاديمير بوتين قال إنّ الحديث عن عقوبات «سابق لأوانه».
المراوغة الروسية تغضب بكل تأكيد إدارة أوباما التي ستحتاج لمساندة موسكو إذا كانت تسعى لفرض عقوبات فعالة ضد طهران. لكن أية محاولة للحصول على هذا التعاون يجب أن تأخذ في الاعتبار التاريخ الروسي والمصالح الروسية في المشروع النووي الإيراني...
في كانون الثاني 1995، وقّع وزير الطاقة الذرية الروسي فيكتور ميخايلوف ورئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية ريزا عمرولاهي عقداً بقيمة 800 مليون دولار لإنهاء مفاعل في مدينة بوشهر الإيرانية، بعدما تخلت عن العقد شركة ألمانية إثر الثورة في 1979. أعمال البناء في مصنع بوشهر الأساسي مثّلت اقتحام إيران عالم تطوير الطاقة النووية (المفاعلات التي زوّدتها بها أميركا سابقاً كانت مخصصة للأبحاث العلمية). قرار روسيا إعادة إحياء المفاعل أغضب المسؤولين الأميركيّين وأعاق الجهود لتصحيح العلاقات بين الدولتين.
التعاون بين روسيا وإيران استمر جيداً للسنوات التالية، وسارع القياديون من الدولتين إلى تصويب أية مشاكل طارئة. فعندما تأثر العمل في بوشهر في 1998، زار وزير الطاقة الذرية الروسية يفغيني أداموف إيران وتعهد بالتزام أكبر في المشروع من جانب التقنيين الروس.
تحت إشراف فلاديمير بوتين، كثفت روسيا من التعاون النووي، في وقت كانت الولايات المتحدة تزيد من ضغطها على موسكو لتقليص البرنامج واختصاره. وفيما نجح الرئيس بيل كلينتون في إقناع بوريس يلتسين بإلغاء الخطة بتزويد إيران بتقنيات لتخصيب اليورانيوم تعمل على الغاز في صيف 1995، فشلت إدارته في الحصول على تنازلات ذات أهمية من بوتين. أنكرت موسكو في 1998 الاتهامات بأنّ شركات روسية تنقل تقنيات لصناعة الصواريخ إلى الإيرانيين، ومن ضمنها تصاميم لصواريخ تستطيع حمل رؤوس نووية. في 2000، عقدت سلسلة من الاجتماعات الثنائية ضمت نائب الرئيس آل غور ووزير الطاقة بيل ريتشاردسون، فشلت في إقناع روسيا بتغيير خططها. رغم ذلك، بدا الدعم الروسي لإيران وكأنّه تضاءل أحياناً: في 2002 وبّخت موسكو مسؤولين إيرانيين لإخفائهم تفاصيل عن برنامج لتخصيب اليورانيوم. وفي حزيران 2004، تعهّدت روسيا بتعليق العمل في بوشهر إذا استمرت إيران في تحدّي المطالب الدولية. في شباط 2007، أجّل مسؤولون شحنة وقود بسبب تأخر مزعوم في الدفع؛ وبعد 8 أشهر، كررت روسيا أنّ إيران يجب أن تمتثل لقرارات الأمم المتحدة قبل إنهاء العمل في بوشهر، وذلك إثر عودة بعض التقنيين الروس من إيران.
رغم التهديدات، أظهرت روسيا قليلاً من العزم لتنفيذ مطالبها هي. استمرت موسكو في البناء في بوشهر وأمّنت مساعدة تقنية مهمة لإيران. وما هو ربما أكثر إزعاجاً للولايات المتحدة، كان تدريب روسيا أكثر من 1500 عالم نووي إيراني وتمكينهم من القيام بأبحاث نووية وحدهم، وبالتالي تحويل قدرة كامنة إلى تقنية عسكرية.
كيف تستفيد روسيا من تعاونها النووي مع إيران؟ عملية حسابية بسيطة تعطي جواباً أولياً واضحاً: الاقتصاد الروسي لم يحصد فقط الأرباح من صفقة بوشهر، بل تعزز من وراء بيع الوقود واحتمال بيع المزيد من المفاعلات. إلى جانب ذلك، المشروع النووي هو واحد من مجموعة اتفاقات اقتصادية بين البلدين. التبادل التجاري بين الطرفين يصل إلى حوالى ملياري دولار، في الوقت الذي تزوّد فيه روسيا إيران ببضائع استهلاكية، معدات للنفط والغاز وتقنيات عسكرية. تتمتع روسيا أيضاً بمنفذ مميز إلى حقول الغاز الإيرانية الجنوبية.
انسحاب الدعم الروسي للبرنامج النووي الإيراني قد يعرّض هذه الصفقات المربحة للخطر. إضافة إلى ذلك، فإنّه نادراً ما يستقيل المسؤولون الرسميّون الروس من مناصبهم العليا في الشركات التي تملكها الدولة. لذلك، يرغبون بزيادة ربحهم الشخصي من خلال زيادة الصلات واستمرارها مع إيران. هذا التزاوج والتداخل بين المصالح العامة والخاصة جعلا السياسة الخارجية الروسية معقّدة لسنوات، وسيجعلان أي انفصال عن إيران صعباً جداً.
ثانياً، لا تزال إيران رقماً صعباً في تجارة النفط في بحر قزوين الذي يقال إنّه يحتوي على أكثر من 10 مليارات طن من احتياطي النفط، ما يجعلها شريكاً هاماً وذا تأثير كبير بالنسبة لروسيا. كما شاركت طهران بكثافة في تنسيق صفقات نفطية عالمية عدّة، وتدبرت أمر نقل صادرات عدد من الدول الإقليمية. وتجد روسيا نفسها في موقف تستطيع فيه استخدام علاقاتها الجيدة مع إيران لتحدي جهود واشنطن في إنشاء أنابيب نفط جديدة والاستثمار في منطقة بحر قزوين مباشرة. وقد برهنت إيران في هذا الوقت أنها حليف فعال لروسيا. فإلى جانب صفقات الطاقة، امتنعت طهران مراراً عن انتقاد سياسات موسكو في الشيشان، وعقدت اجتماعات استراتيجية مع موسكو بشأن طالبان.

الجهود المبذولة لمغازلة روسيا لا تقارن بالاستثمار الروسي في البرنامج النووي الإيراني
في النهاية، يمنح التعاون النووي الروسي مع إيران الكرملين تفوّقاً على الولايات المتحدة. فتبقى موسكو متحفظة تجاه التقدم الغربي نحو «حدودها القريبة»، وهي قد حاربت لتبقي الدول القريبة منها خارج منطقة نفوذ الناتو. وتعتقد موسكو، عبر التلويح أمام الولايات المتحدة بمسألة النووي الإيراني، أنّها تمتلك وسائل للحفاظ على سيطرتها الإقليمية. انتزع المسؤولون الروس تنازلات من واشنطن في وقت عدّلت الولايات المتحدة من خططها لإنشاء درع صاروخية دفاعية في بولندا وتشيكيا. الرضوخ في الموضوع الإيراني سيحرم موسكو من قدرتها على إجبار الولايات المتحدة على طاعتها، وسيلحق الأذى بقدرتها الخاصة على فرض هيمنتها المحلية.
إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى الحصول على دعم روسي حقيقي، يجب عليها أن تجد طريقة لتعويض موسكو عن الخسارة التي ستلحق بها إذا تخلت عن إيران. ستستمر واشنطن في التفاوض مع الدولتين، ويبقى وارداً أن تتوافق الأطراف على تسوية تعفي إيران من أية عقوبات إضافية. لكن إدارة أوباما المتحفظة تجاه وعود طهران، ستستمر على الأرجح في تمهيد الطريق أمام عقوبات مستقبلية في حالة التراجع الإيراني. وإذ تقوم بذلك، يجب ألا ننسى أنّ روسيا ساندت جولات عدّة من عقوبات مجلس الأمن في الأمم المتحدة، لكن فقط تلك التي لم تؤذِ مصالحها الخاصة. الجهود المبذولة لمغازلة روسيا لا تقارن بالاستثمار الروسي المربح والطويل الأمد في البرنامج النووي الإيراني. تلك الجهود تعتمد على تفاؤل في غير مكانه، وستنتهي على الأرجح بخيبة أمل دبلوماسية.
(ترجمة ديما شريف)
* عن «ذا نيو ريبابليك» ــ مجلة نصف شهرية
أميركية، ليبراليّة في الشؤون الاقتصادية، وتميل
إلى وجهة نظر الصقور في السياسة الخارجيّة