رامي زريقتحاول وزارة الاقتصاد والتجارة جهدها لتبرير جهودها الرامية إلى تحقيق انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية wto وهذا بدعم من الاتّحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. فقد أصدرت الوزارة أخيراً نشرة دورية تحمل مقالات توحي بأن الانضمام إلى wto لن يدر على البلد إلا الخيرات من جراء فتح الأبواب على مصراعيها للبضائع الرخيصة، الأمر الذي سيشجع المواطنين على الاستهلاك وينشّط الدورة الاقتصادية ويتيح الفرصة أمام الفقراء للحصول على كماليات قد يكون (أو لا يكون) في حاجة إليها. كما أنه يحيي الاقتصاد ويفرح الجميع ويخفف مآسي الجوع وسوء التغذية من جراء إغراق الأسواق بمواد غذائية قليلة الثمن. ومن ناحية أخرى، يلفت مناهضو انضمام لبنان إلى wto الانتباه إلى فشل تجارب اتفاقيات التجارة الحرّة في كل أنحاء العالم، وخصوصاً الاتفاقيات الثنائية التي تُوقّع بين دولتين تختل بينها موازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وقد تكون اتفاقية النافتا «NAFTA» (اتفاقية التجارة الحرة في شمال أميركا)، التي وقّعها المكسيك والولايات المتحدة الأميركية أسطع برهاناً على هذا الفشل. فالولايات المتحدة التي تدعم مزارعيها بمئات ملايين الدولارات سنوياً باتت تصدّر الذرة وهي أساس الغذاء المكسيكي إلى جارتها الفقيرة والضعيفة، مما أدى إلى انهيار منظومات إنتاج الذرة المحلية، وإلى تفقير ملايين المزارعين الذين لم يبق أمامهم إلا الهجرة للعمل في الحقول الزراعية المدعومة في الولايات المتّحدة، إذ أصبحوا يعاملون كالرقيق. أدت هذه الهجرة القسرية إلى تشتيت الأسر وتفكيك شبكات التضامن الاجتماعي غير الرسمية، مما زاد من هشاشة معيشتهم. كما أن العمال الزراعيين المهاجرين أصبحوا عرضة للإبعاد المفاجئ، مما قد يُستعمل كأداة ضغط سياسية على الدول التي لا تستطيع استيعاب مئات الآلاف الوافدين. وقد يكون هذا المصير بانتظار البلدان العربية، وعلى رأسها لبنان، الذي يختار التجارة بأبنائه وبناته المعدين للاغتراب منذ الصغر بدلاً من أن يستثمر في قطاعاته الإنتاجية المحلّية.