جورج موسىالشرفة تطلّ على البحر، من مرفأ بيروت إلى المنارة. هنا تنتظرُ قدومه. تقف مشدوداً أمام عشرات الشهادات والدروع التكريمية المعلّقة في مدخل دارته في غزير. وما هي إلا لحظات حتى يدخل «الأستاذ» كما يناديه العاملون في الوسط الفنّي. ابتسامةٌ عريضة دافئة وخطوات مثقلة بتعب السنين، وبعملية قلب مفتوح، أجراها أخيراً. يأخذ نفساً عميقاً قبل أن يبدأ حديثه. يؤكد مراراً أنه لا يحبُّ الالتفات إلى الوراء. لكن، إنْ طُلِبُ منه ذلك، تجده يمرُّ سريعاً على طفولةٍ مدللة عاشها يتيمَ الأب، بين أخواله وخالاته في الجمّيزة. طفولةٌ مترفة، تربّى خلالها على سماع أسمهان وفريد الأطرش وفيروز وصباح التي «كانت صاعدة كالصاروخ آنذاك». منذ الصِغر، أحبَّ الفنون. مراهقاً، بدل العمل الدؤوب استعداداً لامتحانات البكالوريا الفنية، قسم الإلكترونيك، كان يتنقّل بين صالات السينما في بيروت، فيشاهد ثلاثة أفلام يومياً: من سينما «أراكس» في الدورة و«ميتروبول أمبير»، مروراً بـ«روكسي» و«راديو سيتي» و«دنيا»، وصولاً إلى «عايدة» في البربير حيث «كان ينتهي خط القطار».
امتحانات البكالوريا لم تمض على خير. بدلاً من أن يتسلم شهادة التخصص، حصد إفادة رسوب مع عبارة Fin D’études (التي تضع حدّاً لتحصيله العلمي)، اعتقد كثيرون أنها اختصاص نادر! ولأنّه لم يخبر والدته برسوبه، اضطر لبدء العمل. هكذا تنقّل بين ورشٍ لتركيب المصاعد ثم ورشة بناء، وأخيراً إلى مطار بيروت حيث عمل في صيانة الطائرات... إلى أن التقى مصادفة بالممثل رينيه حلو الذي كان يعمل مع إيفيت سرسق، فأخبره الأخير أن «القناة 9» في «تلفزيون لبنان» تبحثُ عن موظفين.
هكذا، ببساطة، دخل سيمون أسمر عالم التلفزيون منتصف الستينيات. «كنتُ الأصغر. لم يكن يخطر لي يوماً أن أصبح مخرجاً. صرتُ أتعلَّم. كيف لا تتعلّم، وأنتَ معك يومياً مديرون تقف مذهولاً أمام مخزونهم الثقافي!». هنا يأخذه الحنين: «التلفزيون سابقاً كان أجمل. كذلك بيروت! وسط البلد كان أصيلاً من دون لمعاتٍ مزيّفة. كان لساحة البرج مع بائعي الخرز والقهوة في الزوايا سحرٌ خاص، ومع أسواق أبو النصر والنورية والجوخ والفرنج والوقية. هذه الأسواق وبساطة الناس، هي التي كانت تعطي بيروت حياةً، لم تعدْ كذلك اليوم. الحياة والتصنّع نقيضان لا يلتقيان».
في التلفزيون، بدأ مشواره مساعداً ثانياً لمهندس الصوت. تدريجاً، انتقل إلى إخراج نشرات الأخبار. ثم توالت البرامج: من «مجلّتي» مع شارلوت وازن، و«ماما عفاف»، و«بيروت بالليل» مع حسن المليجي، ثمّ بعض حلقات «أبو سليم» و«أبو ملحم» مروراً بـ«إيفيت سو سوار» مع إيفيت سرسق، وصولاً إلى Toute La Ville Chante مع إميلي بركات.
هذا البرنامج كان نقطة تحول في مسيرة «صانع النجوم». منه استوحى «استوديو الفن» الذي قُدّم للمرة الأولى عام 1972، لكن على «قناة 7»، ومع الإعلامية الأقرب إلى قلبه: صونيا بيروتي. يعزو أسمر نجاح «استوديو الفن» إلى عنصرين: أولهما، متابعة الناس لأشخاص عاديين راحوا يتماهون معهم، في طريق تحوّلهم التدريجي إلى نجوم. أما السبب الثاني، فهو اهتمامه شخصياً بطلّة المشتركين. «منذ عملي في التلفزيون، تعلمتُ قاعدة ذهبية، مفادها أنه إن أردت أن يهتم بك الناس، فاهتمّ أنتَ أولاً بهم. كنت أعتني بضيوف من طراز ريمون إده وميشال إده وناديا تويني وهنري فرعون وميرنا بستاني ومي عريضة. كنتُ حريصاً على راحتهم أمام الكاميرا، ولم أجدْ عيباً في أن أقدم لهم حتى القهوة... وهذا ما نقلتُهُ إلى «استوديو الفن» حيث أتعامل مع شباب آتين من ثقافات وبيئات مختلفة، وأهتمُّ بهم من السترة وصولاً إلى الجوارب».
يضحك عندما تسأله عن أجمل ذكرى يحتفظ بها من النسخة الأولى لـ«استوديو الفن». يجيب بحزم: «منى مرعشلي! كنتُ أسأل دائماً عن تلك الفتاة، ابنة الـ 16عاماً، التي تجلس يومياً في الكواليس، تتابع كل مجريات التصوير، فأجابوني بأنها ابنة جارنا جميل التي تعشق الفن». «استوديو الفن» مثّل المحطة الذهبية في مسيرة سيمون أسمر، نقله من تلفزيون لبنان إلى lbc مع انطلاقها، فكان من مؤسسيها. منذ أواسط الثمانينيات، ارتبطت المحطّة باسم أسمر، فكان الحصان الرابح الذي أعطاها بريقاً خاصاً. هنا قدّم برامج حققت شعبية منقطعة النظير. من «الأول
عالـLBC»، و«ليلة حظ» و«دراج الفن»، إلى «باب الحظ» و«أهلا بهالطلة» و«كأس النجوم» و«ساعة بقرب الحبيب»... ومن رياض شرارة إلى هيام أبو شديد، مروراً بميراي مزرعاني حصري، وزياد نجيم، ومي متى.
مع كل تلك البرامج التي بقي يتصدّرها «استوديو الفن» في دوراته المتتالية، تحوّل سيمون أسمر إلى صانع النجوم في الوطن العربي: ماجدة الرومي، وليد توفيق، ماري سليمان، وائل كفوري، نوال الزغبي، رامي عياش، وغيرهم من أبرز الفنّانين في عالم الغناء اليوم.
خبرته جعلتْه يفتتح أول مكتب إنتاج تلفزيوني فني في لبنان والشرق الأوسط. شركة «استوديو الفن» عاشتْ عصراً ذهبياً، لكنّها أيضاً أدخلتْ صاحبها معارك عدة مع بعض الأسماء الفنية. «يوماً تلو آخر، كنتُ أزداد اقتناعاً بأنّ هنا قلّة وفاء في الوسط الفنّي. كنتُ أعرف أنني إنْ ساعدتُ فلاناً وأهملتُ فلاناً آخر، فسألقى الشتم من الاثنين معاً».
بعد أكثر من 80 عملاً في المرئي والمسموع، وفي نهاية الحديث، يرتشف ما بقي من فنجان قهوته ويختم متنهداً: «أرجعتني إلى الوراء، مع أني لا أحبّ الذكريات ولا الصور.
لكن مع كل نجاحات الماضي، أعترف بأنني كنتُ دائماً مقصّراً بحقّ زوجتي ندى وأولادي وسيم وكريم وبشير». يحاول اليوم أن يعوّض عن سنوات الماضي، ويتمنى أن يسلّم المشعل إلى ابنه بشير الذي يخرج الدورة المقبلة من «استوديو الفن» على Mtv... تحت إشراف والده طبعاً!


5 تواريخ

1943
الولادة في بلدة الكنيسة
(المتن الأعلى ــــ لبنان)

1972
الدورة الأولى من «استوديو الفن».
بعدها بخمس سنوات تزوج ندى كريدي

1985
الانتقال إلى LBC
مساهماً في صنع رواجها الشعبي

1994
جائزة «مفتاح سيدني»

2009
عودة برنامجه الشهير «استوديو الفن»
من على شاشة Mtv